سلفيّة أم جدليّة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الصدق نور وضياء، وسلامة الصدر من كدر الأحقاد والحسد خصال هامة ينبغي على الدعاة وطلاب العلم أن يتحلوا بها، فإذا جئنا إلى الإخلاص والتجرد كان الأمر أشد وأصعب، فمن المأثور عن السلف الصالح أن أشد شئ كان على نفوسهم هو الإخلاص وتحرير القلب من الرياء والنوازع الشخصية، ثم أما بعد.
ماذا يريد السلفيون سواء من كانوا على السلفية بحق أم كانوا بالادعاء؟ إنهم يريدون تحري هدي السلف الصالح في فهمهم لأمور دينهم العقائدية والتشريعية، فإذا كان هذا هو المراد فلما المشقّة ولما العنت في القول والفعل؟ فالسلف الصالح هم في المقام الأول الرسول – صلى الله عليه وسلم – والصحابة رضوان الله عليهم أي أن فهم الكتاب والسنَّة مرتبط بفهم هذا الجيل وبالتالي ففهمهم مقدم على غيرهم ممن جاء بعدهم ، فإذا كان الأمر كذلك فلما الشطط حينما تثار مسألة أو قضية فننسب للسلف ما لم يقولوه معتمدين على من جاءوا من بعدهم بقرون كالقرن الثالث أو الرابع أو السابع أو الثاني عشر حتى قرننا هذا ونقول هذا قول السلف وبالبحث لا نجد لهذا مستنداً بل الحقيقة أن هذا القول قال به أحد الأئمة وإن كان من السلفيين؟ ففرق بين نسبة القول أو الفعل للسلف الصالح فعلاً وبين نسبته لمن دونهم ممن جاءوا من بعدهم من دعاة السلفية الحقيقية.
كما أن المراد هو تحرير فهم الصحابة خصوصاً في العقائد والعبادات أو التشريعات الواجبة والتي لا ترتبط بتغير الزمان والمكان، فمثلاً قد تنسب فتوى زمانية ومكانية مرتبطة بزمانها ومكانها في أمور معاشية أو سياسية فإذا ثبت ذلك فلا يلزم أن تنسحب هذه الفتوى إلى زماننا هذا أو بيئتنا هذه، والذي ينبغي أن نشغل أنفسنا به تحرير فهم السلف الصالح في العقائد والعبادات لأن ذلك هو الأهم إننا أحياناً نردد قواعد وأصولاً نطالب بها غيرنا فإذا طالبنا أحد بهذه القواعد والأصول في شأننا ظهر التذمّر والتعصب وكأن القواعد والأصول موجهة للمخالفين دون السلفيين وبالأمثلة يتضح المقام:
1- قاعدة [كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم – صلى الله عليه وسلم – ] عبارة شهيرة محفوظة يرددها السلفيون فإذا ناقشت بعض السلفيين في فتوى إمام معاصر أو غير معاصر ظهرت علامات الغضب والشك والاتهام إذ كيف تناقش فتوى إمام سلفي؟ إذن فأنت عدو للسلفية والسلفيين، فإذا ذكّرتهم بالقاعدة [كل يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا المعصوم – صلى الله عليه وسلم – ] أعرضوا وفي عيونهم غضب وحقد، مع الوضع في الاعتبار أنك تناقش بمفاهيم سلفية أي أنك تذكر بمفهوم سلفي أصيل غائب أو غير سائد ومع ذلك ترى التمسك بأقوال الأئمة المتأخرين وترك الأولين.
فعندما صدرت فتوى القوانين الوضعية للعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – وروجها الكل السلفي والخلفي إلا من رحم الله وقليل ما هم وأصبحت الفتوى تعبيراً عن موقف السلفيّة من الحكّام وهذا ظلم وعدوان على السلفية، فمنذ متى كانت السلفية مرهونة بشخص بعينه دون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإن علا قدر هذا الشخص؟ إذ كيف يُهمل كلام ابن عباس – رضي الله عنهما – حيث لم يثبت من خالفه من الصحابة في قضية التحاكم لغير الشريعة ونقدم قول الخلف [من السلفيين] على قول ترجمان القرآن؟ والأدهى أن ننسب ذلك للسلفية، ثم حُررت التفريعات وسُودت الكتب ونُصب سوق الولاء والبراء حول فتوى محمد بن إبراهيم آل الشيخ وضاع كلام السلف الصالح على الحقيقة وسط هذا الضجيج والإرهاب الفكري، فضلاً عن التأويلات الباردة التي تنتصر للخلف وإهمال قول السلف والأدهى أن نقول هذه هي السلفية، فالتمسك بفتوى العلامة محمد بن إبراهيم – رحمه الله – وتأويل قول ابن عباس لإخراجه عن مضمونه هو السلفية والأخذ بقول ابن عباس – رضي الله عنهما- هو الخلفية!!!
2- دعوى الكتاب والسنَّة بفهم سلف الأمة عبارة جذابة وقوية رادعة لكن أحياناً نُوهم الناس بآراء ننسبها للسلف الصالح مع أنها اجتهادات لابن تيمية وابن القيم أو من دونهما ثم الأدهى عقد الولاء والبراء على تلك الاجتهادات فمثلاً ثبت من خلال المراجع السلفية كتفسير ابن جرير وابن كثير وغيرهما أن الخليفة الثاني الراشد الملهم المحدَّث و الذي نزل الوحي مؤيداً لرأيه في أكثر من موضع عرّف الطاغوت بأنه الشيطان فإذا بالسلفيين المعاصرين إلا من رحم الله يحفظون ويرددون تعريف ابن القيم لمعنى الطاغوت وأنه هو المعتبر وكأن القرون الخيرية لم تدرك معنى الطاغوت إلا بعد مرور سبعة قرون هجرية؛ وانعقد الولاء والبراء بين بعض السلفيين على تعريف ابن القيم وذهب تعريف عمر بن الخطاب أدراج الرياح وسُودت المقالات للانتصار لابن القيم وليس مهما الانتصار لعمر – رضي الله عنه – الذي هو انتصار لصحيح الدين، بل حاول البعض إسقاط من تجرَّأ وقدّم تعريف عمر بن الخطاب على تعريف ابن القيم، فهل هؤلاء سلفيون؟ من أولى بالتقليد نقلد عمراً أم ابن القيم؟ إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
أين يا جماعة الادعاء بفهم سلف الأمة أليس عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – هو ثاني المعنيين من السلف الصالح بعد رسول – صلى الله عليه وسلم – لماذا نؤخر قوله ونقدم قول غيره؟ الإجابة واضحة عندي: إنه النفس التكفيري (وإن لم يكن ابن القيم كذلك) ورغبة في العنف لأن تعريف ابن القيم يعطي مبرراً لوصف الحكام بالطواغيت وإن لم يكن ابن القيم كذلك، وبهذا الكلام سيخرج من يترك أصل القضية ويزعم أن ذلك إسقاط وتجريح لابن القيم وهكذا يضيع الحق وسط هذا الضجيج.
3- قصة واقعية تُعطي نموذجاً لضعف الدعوة السلفية المعاصرة فقد صرَّحتُ علانية أنه يجوز توريث الحكم لابن رئيس الدولة حيث لا يوجد دليل شرعي يُحِّرم ذلك فجاءني مدعٍ للسلفية مستنكراً قولي فقلت له مختصراً: يا أخي أنا على مذهب ابن عمر – رضي الله عنهما -، فحاجّني آخر منفعلاً قائلاً قال الماوردي كذا…. قلت: يا أخي أنا على مذهب عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – وعلى مذهب القرن الأول والثاني والثالث حتى نصل إلى القرن الحالي في السعودية فهل كل هذه القرون في قضية التوريث على ضلال؟
فمعاوية – رضي الله عنه – وبنو أمية وبنو العباس حيث كانت النهضة العلمية والفقهية وتتابع التابعون والأئمة الأربعة على التسليم بولاية العهد في الحكم ولم يعرف لهم نكير، فمن المصيب إذن؟ ومن السلفي في هذه القضية من قال بما قلتُ أم من قال بغيره؟ إنها لا تعمى الأبصار، وإنما في القلوب أشياء قد لا يدركها أصحابها.
4- والآن نأت للمثال الرابع والذي يمثل السبب الرئيسي لموضوع هذا المقال ألا وهو ما عرف عند البعض بقضية جنس العمل:
منذ سنوات ربما تجاوزت العشر ظهر كلام مفاده أن تارك جنس العمل لا يكفر طالما أنه مات على التوحيد، واتسعت دائرة النقاش وإن شئت قلت الجدال فخرج علينا الشيخ العلامة ابن عثيمين محذراً من الخوض في ذلك وناصحاً بعدم تضييع الوقت في الجدال حول أمر لم يثبت فيه شئ عن الصحابة، لكن يأبى الشيطان إلا أن ينفخ في الرماد وما أكثر الشباب الذي يحب أن يجادل سعياً وراء بروز هنا أو هناك فلما واجهتني هذه القضية في قطر ثم في البحرين ثم مصر هداني الله تعالى إلى أن أقول:
يا سلفيين لنعتبر من قال بكفر تارك جنس العمل بالكلية اجتهاد سلفي معاصر ومن قال بعدم كفره كذلك اجتهاد سلفي معاصر لا ينكر أحد على أحد لنحافظ على اللحمة السلفية من الانشطار والانقسام والخلاف.
وظللت في مكاني أخمد نار هذا الجدل في هذه القضية على قدر طاقتي ومساحة عملي المحدودة ومرت سنوات فإذا بي أسمع مجدداً من ينسب لأحد المشاهير السلفيين المعاصرين بأن تارك جنس العمل كافر زنديق ثم تبع ذلك تبديع من أتباع هذا الرأي للقول الثاني بل وصل الأمر إلى سلوك أساليب الحزبيين والمتربصين الساعين للإسقاط والتشهير بطلاب العلم والدعاة السلفيين من قوم يدعون السلفية ويدعون انتسابهم لعلماء السلفيين، فعدت للمسألة بدافع وضع حد لنفر من صغار طلاب العلم ظنوا أنهم أوصياء ليس على السلفيين فحسب بل على السلفية ذاتها وبالتالي فرضوا ولاية وهمية على الناس فصاروا يُبَدِّعون هذا ويسقطون ذاك لا من صفوف أهل البدع الأصليين وإنما من صفوف قوم تربوا على السلفية ودعوا إليها ولازالوا.
فماذا عن أصل القضية؟
روى مسلم بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ قَالُوا عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَاذَا تَبْغُونَ فَيَقُولُونَ عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنْ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا قَالَ فَمَا تَنْتَظِرُونَ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ قَالُوا يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ فَيَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُ
هُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ قَالَ فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ثُمَّ يَقُولُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيَقُولُ رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا.
ففي رواية مسلم وقفات لابد أن نقف عندها ليتبين لكل ذي لُبّ الحقيقة والصواب فيما أفهم:-
الوقفة الأولى: في قوله – صلى الله عليه وسلم – [ثم يُضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة]
إذن ما قبل الجسر هم أهل الخلود في النار وما بعد الجسر هم أهل الإيمان على تفاوت إيمانهم بدليل قوله [وتحل الشفاعة] ومن المقرر بالإجماع أن الشفاعة ثابتة لأهل التوحيد والإيمان وليست لأهل الشرك والكفر.
الوقفة الثانية: أنه من أهل الإيمان وأهل الصلاة والصيام والحج من يدخل النار وما ذاك إلا لذنوب ومعاصي فتبين بطلان قول المرجئة أن المعاصي لا تضر مع الإيمان فهل من يقرر هذا ويرد على المرجئة يكون مرجئاً.
الوقفة الثالثة: في قوله – صلى الله عليه وسلم – [فيُخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حُمماً] كلام واضح الدلالة أن لله عتقاء من النار كما سماهم الحديث دخلوا النار وعذبوا على تركهم الواجبات وفعل المحرمات وهذا مفهوم واضح بدلالة اللفظ [لم يعملوا خيراً قط] وقلنا اشتراط التوحيد والإيمان لأنه بالإجماع الشفاعة لا تكون إلا في هؤلاء ممن ارتضى الله لهم ذلك برحمته، ودلالة ما قبل هذا اللفظ في قوله [حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبُد الله تعالى من برٍّ وفاجر] أي أنه يُتصور وجود موحد فيه من الصلاح والبر من أهل الإيمان كما يتصور وجود موحد فيه من الفُجر والعصيان وهو كذلك من أهل الإيمان وإن كان في أدنى درجاته كما في الحديث، والأمر هنا متوقف على ما في القلب من توحيد لذا كانت هذه الشفاعة خاصة بالله يقول القاضي عياض – رَحِمَهُ اللَّه – فيما نقله عنه النووي في شرحه لهذا الحديث ص31 المجلد الثاني ط دار الريان للتراث: فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ مَعَهُمْ مُجَرَّد الْإِيمَان وَهُمْ الَّذِينَ لَمْ يُؤْذَن فِي الشَّفَاعَة فِيهِمْ ، وَإِنَّمَا دَلَّتْ الْآثَار عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لِمَنْ عِنْده شَيْء زَائِد عَلَى مُجَرَّد الْإِيمَان ، وَجَعَلَ لِلشَّافِعِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ دَلِيلًا عَلَيْهِ ، وَتَفَرَّدَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِ مَا تُكِنُّهُ الْقُلُوب وَالرَّحْمَة لِمَنْ لَيْسَ عِنْده إِلَّا مُجَرَّد الْإِيمَان .أ.هـ.
كما أن رواية الإمام أحمد والتي حسنها الشيخ العلامة الألباني – رحمه الله – أحكمت الخطاب لمريد الحق والبيان حيث قال – صلى الله عليه وسلم – [ولم يعمل خيراً قط إلا التوحيد] وسوف يأتي مزيد تفصيل في هذا الحديث.
الوقفة الرابعة: وهي الحاسمة في القضية المثارة هل هناك سندٌ لفهم صحابي يغاير صريح اللفظ النبوي [لم يعمل خيراً قط…] [إلا التوحيد]؟ فإذا لم يكن سندٌ للصحابة فلا عبرة بمن جاء بعدهم في هذه القضية ويبقى العمل بظاهر صريح النص وهو أن من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ومات على تلك العقيدة لا يشرك بالله شيئاً ولم يكفر به كان مآله إلى الجنّة وإن لم يعمل خيراً قط.
الوقفة الخامسة: يُنسب لبعض أهل العلم أن اعتماد هذا القول إرجاء [عدم كفر تارك جنس العمل] كما يزعمون أن حديث الإمام مسلم من المتشابهات، والحق الذي لا مرية فيه لمن ترك التعصب المذهبي وأعمل عقله وفق القواعد السنيّة السلفيّة [إن صح الحديث فهو مذهبي] سيجد أن حديث الإمام مسلم في ذاته ردٌّ على المرجئة حيث أن شفاعة الرحمن هنا في قوم عُذبوا حتى صاروا حُمما وعلى أي شئ كان هذا العذاب؟! الأمر واضح إنه على ترك الطاعات وفعل المحرمات والمرجئة لا يقولون بذلك بل يقولون [لا يضر مع الإيمان معصية] فأين الإرجاء إذن؟! دعونا يا جماعة من بعض الاجتهادات التي هي في أصلها لأئمة كرام عظام، وضعوا أعينكم على نص الحديث فهو الحجة وهو الحكم ثم فهم الصحابة هو المقدم على من دونهم، فهل عند من يكفر بتارك جنس العمل أثارة من علمٍ للصحابة قالوا بكفر من مات على التوحيد ولم يعمل خيراً قط؟!
الوقفة السادسة: وهي وقفة عقلية بدهيّة وهي أن الأنبياء جميعاً دعوا قومهم في البداية إلى التوحيد ولم يكن ثمّة عمل وإن كان التوحيد في ذاته باللسان واعتقاد القلب عملٌ من الأعمال، وحينما دخل الرسول – صلى الله عليه وسلم – على عمه أبي طالب وهو يحتضر قائلاً له: [كلمة أحاج لك بها عند الله] أو كما قال ، أي أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يريد من عمه أن ينطق بكلمة التوحيد معتقداً بها ليدخل في شفاعته بإذن ربه، فالقول بكفر تارك جنس العمل ونسبته للسلف الصالح كلام غير دقيق، وأتحدى من يثبت بالسند المتصل أن أحداً من الصحابة قال به، فما لم يعتقدوه لماذا نعتقده نحن وما لم يخوضوا فيه لماذا نخوض فيه نحن؟! ولولا كثرة الكلام في هذا الشأن وتردده من حين إلى آخر ما كتبتُ، ولكن أن يصدر تبديع عليه ليس بين السلفيين وخصومهم البدعيين كالقبوريين والإخوانيين والتكفيريين … إلخ من الفرق النارية، وإنما صار التبديع في صفوف السلفيين أنفسهم، وهذا هو الخلل الذي ينبغي أن ينتبه إليه كبار أهل العلم ويقفوا في وجهه وقفة رجل واحد وإلا أثموا جميعاً على هذه الفوضى القائمة في العالم الإسلامي.
الوقفة السابعة: يقولون إن القول بعدم كفر تارك جنس العمل يجرئ الناس على المعاصي وفعل المنكرات وهذه من المقولات العجيبة حيث إن حديث الشفاعة الذي هو محل البحث فيه من الترهيب ما هو واضح لردع أهل المعاصي في قوله [حُمما] فهل أنتم أغير على دين الله من الله ورسوله؟!
أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد وحسنه العلامة الألباني وهاك نصه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ فَلَمَّا احْتُضِرَ قَالَ لِأَهْلِهِ انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ أَنْ يُحْرِقُوهُ حَتَّى يَدَعُوهُ حُمَمًا ثُمَّ اطْحَنُوهُ ثُمَّ اذْرُوهُ فِي يَوْمِ رِيحٍ فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَإِذَا هُوَ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا ابْنَ آدَمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ قَالَ أَيْ رَبِّ مِنْ مَخَافَتِكَ قَالَ فَغُفِرَ لَهُ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ.
فالحديث واضح الدلالة على عدم تكفير تارك جنس العمل بقوله – صلى الله عليه وسلم – [ولم يعمل خيراً قط إلا التوحيد] نريد وحياً ينقض هذه العبارة أرددها مرة أخرى [ولم يعمل خيراً قط إلا التوحيد] [… إلا التوحيد] […إلا التوحيد] فلا عبرة باجتهاد إمام معاصر أو غير معاصر مع وجود هذا النص الصريح مع افتقارنا لسند لصحابي يصرف هذا الكلام عن ظاهره وهذا هو عين السلفية [إذا صح الحديث فهو مذهبي] [إذا صح الحديث فاضربوا برأييّ عرض الحائط].
أما من قال أن تارك جنس العمل كافر زنديق وإن كان كبير الشأن عندنا نقول له يا فضيلة الشيخ حفظك الله أين أنت من لا إله إلا الله يوم القيامة؟!
وكلمة أخيرة لعموم السلفيين خاصة الشباب الذي مزقته الخلافات التي تقع بين الكبار ويزكيها الصغار ويسكت عنها الكبار، فمساحة العذر بين السلفيين ينبغي أن تكون كبيرة فيما بينهم طالما أن الجميع ملتزم بعموم القواعد السلفية السنيّة وإن أخطأ البعض ولابد من الخطأ فالكبار يخطئون ومن باب أولى من دونهم، فعلماء السعودية يخطئون ابتداءً من شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – إلى علمائهم المعاصرين ورغم أن هذه بدهيّة إلا أن البعض أحياناً يحمله التعصب فيتهم الآخرين من دون من ذكرت بعداوتهم للسلفية لمجرد أنهم ردوا بعض فتاوى واجتهادات علماء السعودية فماذا سيكون الحال لو رد قولٍ لابن تيمية أو ابن القيم – رحمهما الله – فقاموس الاتهام والسباب والشك والتبديع كل ذلك سيوف مسلطة من بعض هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على السلفية والسلفيين، إن كلامي هذا يا جماعة هو ما تعلمته في المدرسة النجدية والحجازية بالجامعة الإسلامية وهو الذي فهمته من مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ولكن البعض أحياناً يتعامى عن محكم الكلام فيلجأ إلى المتشابه منه، تعجزه الحجة فيلجأ إلى التنقص والتجريح. وإلى هؤلاء الصغار وإن سكت عنهم بعض الكبار أقول لهم محذِّراً: اتقوا الله وعودوا إلى رشدكم واصبروا على العلم النافع وكفوا ألسنتكم عن إخوانكم وإلا فلا تلوموا إلا أنفسكم فالحمد لله لستُ بعاجز ولستُ بضعيف لأنني أستمد قوتي وحولي من الله جل وعلا ثم من تحري صحة الدليل وصحة الفهم والأيام بيننا.
فيا شباب السلفية في العالم بأسره إنها كلمة مشفق ومُحب إن علماء السلفية عبر القرون السابقة وإلى الآن يختلفون وفق اجتهاداتهم فمنهم المصيب ومنهم المخطئ إلا أن الولاء بينهم قائم بحبل الله الموصول فعليكم أن تستوعبوا هذه الاجتهادات ولا تجعلوها أصولاً دينية يبنى عليها ولاء وبراء، فحسبنا أن نجتمع على عموم أصول أهل السنّة والجماعة من خير القرون مع وضع فهم الصحابة في المقدمة على مفاهيم من دونهم والسكوت فيما سكتوا عنه والكلام فيما تكلموا فيه فهذا هو الأسلم والأحكم والأعلم والأتقى، ألا يكفينا أن نقول: الإيمان تصديق وقول وعمل يزيد وينقص ونكف عن الهراء وتضييع الأوقات في وقت تجهل الأمة أصول دينها، ألا يكفينا أن نعتبر الخلاف في قضية جنس العمل خلافاً سائغاً بين السلفيين المعاصرين بلا نكير من طرف على آخر وترك الأمر لاطمئنان قلب كل سلفي فيما فهمه من أدلة، كما أناشدكم الاهتمام بما اهتم به الأنبياء بإخراج البشرية من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد وأحثكم على إرشاد المسلمين إلى صحيح المعتقد وحسن العمل بالأولويات الشرعية بعيداً عن الجدال والتعلق بصغائر الأمور ولو كنتم على حق، إنني ادعوكم يا معشر السلفيين إلى التراحم فيما بينكم أولاً ثم فيما بينكم وبين الآخرين، ألا تذاكر السلفيون كلام النبوة في الحثّ على التراحم والتيسير والرفق والتسديد والتقريب؟
ألا كف أدعياء السلفية وصغارها عن نقل الكلام والبحث عن الزلات والسعي إليها في صفوفهم وتضخيم هذه النواقص وتمزيق الصف السلفي بحق أو بباطل بوهم أو بحقيقة إننا في حاجة أن ننشغل بترسيخ الأصول والأركان والفرائض وترك دقائق الأمور لخواص أهل العلم، إن السلفية محفوظة بحفظ الله ولا ضير عليها من خصومها أو من صغار دعاتها وإنما الخوف على السلفيين أن تُشتت جهودهم وتُمزق صفوفهم العقدية فيكونوا لقمة سائغة على موائد اللئام من الفرق النارية، فيا أيها الشباب السلفي المخلص الغيور صاحب القلب الصافي كلامي هذا لك فقط وليس كلامي لأصحاب الأمراض والعقد النفسية الذين يبحثون على أدوار أو زعامات وهمية ليفرضوا وصايتهم على الشباب السلفي، أقول لك أيها الأخ عليك بالصبر والتأني وسعة الصدر وسعة الأفق وتتبع كلام السلف فعلاً والزمهم، وليكن نصب عينيك هدف واحد هو الأسمى ألا وهو الدعوة إلى التوحيد إي إفراد الله بالعبادة مع تحري منهج الأنبياء في ذلك ودعك من كلام المتفلسفة، فوالله لو أن السلفيين على اختلاف أحوالهم ونفوسهم اهتموا بالدعوة إلى التوحيد بالشكل المفروض والتدرج مع الناس في الأخذ بالدين لصار الحال غير الحال، إن هذه المعارك وهذه الأوضاع المفتعلة والمتشنجة بين السلفيين ونسبة ذلك للمنهج السلفي لهو ظلم عظيم للسلفية وللسلف الصالح؛ فسددوا وقاربوا واعلموا أن خصومكم كُثُر كما بيّنهم الحديث أنهم اثنتان وسبعون فرقة ألا انتبهتم لهذه المخاطر لتحابوا وتتقاربوا وتتفاهموا ولا مانع من الأخذ والرد بالكلمة الرزينة والأسلوب الحكيم كما لا مانع من تحمل بعض الهنات التي لابد وأنها صادرة منا لأننا في الأخير من زمرة البشر والبشر يعتريهم النقص والقصور والكمال المطلق إنما هو لله وحده والعصمة للأنبياء دون غيرهم، فهل فُهم الخطاب؟
سلفيّة أم جدليّة
13 سبتمبر 2010 بواسطة الشيخ محمود عامر
بسم الله الرحمن الرحيم
تحرير المقال في مسألة ترك عمل الجوارح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . أما بعد :
فقد لا حظت كثرة المواضيع التي تتحدث عن مسألة عمل الجوارح ، وحكم تاركه بالكلية . ورأيت أن كثيرا من المشاركات متقاربة ، ربما يفصل بينها خيط دقيق .
والملاحظ أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية كان له الحظ الأوفر في النقل . ولا غرابة في ذلك ، فشيخ الإسلام رحمه الله هو فارس هذا الميدان .
ومما لا حظته أيضا أن جل من كتب في هذه المسألة خارج الانترنت وداخله يقر بالتلازم بين الظاهر والباطن , لكن يبقى الخلاف في حدود هذا التلازم .
فالذين يرون كفر تارك عمل الجوارح بالكلية يقولون : إذا انتفى العمل الظاهر انتفى عمل القلب وذهب الإيمان ، فكان الكفر.
والذين يرون نجاة تارك العمل الظاهر يتكئون على نحو قول شيخ الإسلام : دل على عدمه أو ضعفه . ، أو أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف .
وأيضا : فربما حمل هؤلاء كثيرا من عبارات شيخ الإسلام على أنها تعني انتفاء الإيمان الكامل أو الواجب .
ولهذا رأيت أن مما يعين على رفع هذا النزاع أن يقف الجميع على عبارات للسلف ولشيخ الإسلام تنص على شيء مما يلي :
1- أن انتفاء عمل الجوارح لا ينفع معه التصديق وقول اللسان .
2- أن انتفاء عمل الجوارح يلزم منه انتفاء إيمان القلب .
3- أن انتفاء عمل الجوارح يلزم منه ألا يبقى في القلب إيمان.
4- أن ترك عمل الجوارح كفر.
فمثل هذه الجمل الصريحة تقضي على العبارات المحتملة ، كقوله : دل على عدمه أو ضعفه ، مع أن في هذه العبارة التسليم بأن ذهاب عمل الجوارح قد يدل على عدم الإيمان الذي في القلب . وهذه الحالة لا يسلم بها المخالف.
وكذلك قول شيخ الإسلام : إن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف ، لا يمكن أن تقاوم عبارات صريحة كالتي مضى ذكرها.
وأحب أن أنبه إلى أمر آخر ، وهو ضرورة التفريق بين مسائل الإجماع ومسائل الخلاف ، ولا شك أن كون الإيمان قول وعمل ، مما اتفقت عليه كلمة أهل السنة والجماعة على مر العصور.
وقولهم هذا ظاهر في التسوية بين القول والعمل ، بل صرحوا أيضا بأنه لا ينفع ولا يستقيم قول بلا عمل . وهذه التسوية ليست في التعريف واللفظ كما فهم بعض الإخوة ، بل هي تسوية في الرتبة والمنزلة .
ولهذا سأبدأ هذا المقال بحكاية إجماع أهل السنة على أنه لا يجزيء قول اللسان والتصديق دون عمل الجوارح .
ثم أشرع في نقل عبارت شيخ الإسلام – ولغيره – التي تبين حدود التلازم بين الظاهر والباطن ، والتي تقضي بأن انتفاء العمل الظاهر كلية يعني انتفاء إيمان القلب الصحيح ، كما يعني الكفر .
تحرير محل النزاع :
1- المسألة مفروضة في رجل شهد شهادة الحق بلسانه ، وصدق بقلبه ، وأتى بعمل القلب اللازم ، من المحبة والخوف والانقياد والتسليم ، وعاش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يفعل شيئا من الفرائض ، ولا النوافل ، ولا يتقرب الى الله بعمل ، مع تمكنه من ذلك ، وعلمه بما أوجب الشرع عليه في ذلك . فهل ينفعه قول اللسان وقول القلب وعمله ، مع انتفاء عمل الجوارح ؟
وهل يحكم لهذا الرجل بالكفر ، أم هو مسلم تحت المشيئة ؟
وهل عمل الجوارح – في الجملة – ركن من أركان الإيمان ، تتوقف صحة الإيمان على وجوده ، كتوقفها على بقية الأركان ؟
2- والبحث هنا في حكم هذا الرجل بالنظر إلى ما عند الله ، أي في باب الحكم على الحقيقة ، وليس باعتبار الحكم عليه في الظاهر ؛ لأنه يصعب – غالبا- الحكم على شخص ما بأنه لم يأت بشيء من أعمال الجوارح مع القدرة والتمكن .
وأقول : مع القدرة والتمكن ، لأن إمكان الاطلاع على صورة ترك العمل مع عدم التمكن حاصلة ، كأن ينطق كافر بالشهادتين ثم يموت ، فهذا معذور لعدم تمكنه من العمل .
3- والكلام مقيد بمن بلغته الشريعة ، وثبت في حكمه الخطاب ، أما من لم تبلغه الأحكام فهو خارج عن محل النزاع .
4- لا خلاف في أن انتفاء تصديق القلب موجب للكفر على الحقيقة ، وقد يحكم له في الظاهر بالإسلام لعدم تلبسه بناقض ظاهر ، وهذا حال المنافقين .
5- ولا خلاف أيضا في أن ذهاب عمل القلب موجب لذهاب الإيمان وعدم الانتفاع بالنطق والتصديق ، وهذا من باب الحكم على الحقيقة أيضا ، أي بالنظر إلى ما عند الله .
6- ثمرة هذه المسألة هي الوقوف على منزلة عمل الجوارح عند أهل السنة ، وفهم قولهم : الإيمان قول وعمل ، والتفريق بين مذهبهم ومذهب المرجئة و الخوارج والمعتزلة ، وليس للمسألة تعلق بتكفير أحد من الناس ، وقد نبهت على ذلك من قبل ، ولا مانع من تكراره لأن بعض الجهلة إذا قرأ ( كفر… وإيمان ) ظن أن القضية إنما هي انشغال بالتكفير ، ودعوة إليه .
ولا مرية في أن السلف لم يغفلوا هذه المسألة ، ولم يقصروا في بيانها ، وبين يدي شيء كثير من كلامهم وبيانهم ، لكن الأخ أبا عمر رغب في بحث المسألة بالدليل من الكتاب والسنة ، ثم أبدى قبوله للاستدلال عليها بالقياس وبفهم السلف الذي ليس له مخالف.
ولست أستدل لهذه المسألة إلا بدليلين : أولهما الإجماع ، وثانيهما : علاقة الظاهر بالباطن ، القاضية بانتفاء عمل القلب عند انتفاء عمل الجوارح . وهذا الدليل استدل به شيخ الإسلام لإثبات كفر تارك الصلاة في الباطن ( على الحقيقة ) ( 7/611 ) وكلام شيخ الإسلام مستفيض في الحكم بانتفاء إيمان القلب عند انتفاء عمل الجوارح .
أما الإجماع ، فهو ما نقله الشافعي رحمه الله ، عن الصحابة والتابعين:
قال " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية لا بجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر "
شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 5/956 ، مجموع الفتاوى 7/209.
ولا يتم الاستدلال بهذا الاجماع على المطلوب إلا ببيان المراد بالعمل في قول الشافعي : قول وعمل ونية ، وقبل ذلك أشير الى ثبوت هذا الاجماع عنه رحمه الله .
أولا :ثبوت هذا الإجماع :
قال الامام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد اهل السنة والجماعة 5/956
" قال الشافعي رحمه الله في كتاب الام في باب النية في الصلاة : نحتج بأن لا تجزيء صلاة الا بنية لحديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) ثم قال :
وكان الاجماع من الصحابة والتابعين …. " الخ .
وهكذا نقله شيخ الاسلام أيضا عن كتاب الأم .
فهذا نقل عن كتاب ، لا يحتاج إلى بحث في الإسناد .
وكون هذا النص ليس موجودا الآن في كتاب الام كما قال محقق كتاب اللالكائي ، لا يعني عدم وجوده فيه في عصر اللكائي ، وعصر شيخ الإسلام ، بل لو كان مفقودا في زمن شيخ الإسلام لأحال في نقله على الللاكائي ، كما يفعل ذلك كثيرا في كتبه رحمه الله .
بل هذا الإجماع الذي يحكيه الشافعي ذكره الرازي عنه واستشكله :
قال شيخ الإسلام ( 7/511)
" وكان كل من الطائفتين بعد السلف والجماعة وأهل الحديث متناقضين ، حيث قالوا : الإيمان قول وعمل ، وقالوا مع ذلك : لا يزول بزوال بعض الأعمال !
حتى ان ابن الخطيب وأمثاله جعلوا الشافعي متناقضا في ذلك ، فإن الشافعي كان من أئمة السنة ، وله في الرد على المرجئة كلام مشهور ، وقد ذكر في كتاب الطهارة من " الأم " إجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم على قول أهل السنة ، فلما صنف ابن الخطيب تصنيفا فيه ، وهو يقول في الإيمان بقول جهم والصالحي استشكل قول الشافعي ورآه متناقضا " انتهي كلامه .
فثبوت هذا الاجماع عن الشافعي رحمه الله لا شك فيه ، وهو ثابت عن غيره أيضا ، وهو قولهم : الايمان قول وعمل ، لكن ما نقله الشافعي يبين منزلة عمل الجوارح ، وأن الاجزاء الاخرى لا تنفع بدونه .
وقد أشار الى هذا الاجماع ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (1/104 ت : شعيب الارناؤوط)
ثانيا :ما المقصود بالعمل في هذا الاجماع ؟
والجواب : المقصود بذلك عمل الجوارح جزما ، وبيان ذلك بأمرين :
الأول :
أن قوله " ونية " اشارة الى عمل القلب ، فتعين حمل قوله " وعمل " على عمل الجوارح . كما ان قوله " قول " شامل لقول اللسان وقول القلب .
والنية هي الاخلاص وهو عمل القلب ، وتمثيل الائمة لعمل القلب بالنية او الإخلاص أمر شائع مشهور ، وتأمل هذا النقل عن الامام ابي عبيد القاسم بن سلام ( 157ه-224ه) في كتابه الإيمان (ص 9+10 ) لترى استعماله لنفس عبارة الشافعي ، مع التعبير عن النية بالإخلاص ، وعن العمل بعمل الجوارح ، في حكاية قول أهل السنة :
قال " اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الامر فرقتين :
فقالت إحداهما : الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب
وشهادة الالسنة
وعمل الجوارح .
وقالت الفرقة الاخرى : بل الايمان بالقلوب والالسنة فأما الاعمال فإنما هي تقوى وبر وليست من الايمان . وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين ، لوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان :
بالنية
والقول
والعمل ،جميعا ، وينفيان ما قالت الاخرى " انتهى .
وهنا عبر الامام ابوعبيد عن حقيقة مذهب اهل السنة بتعبيرين :
الاخير منهما هو تعبير الشافعي رحمه الله ،
فدل على ان العمل : هو عمل الجوارح
وان النية : هي الاخلاص ، وهو من عمل القلب .
وانظر في التمثيل لعمل القلب بالنية :
الصلاة وحكم تاركها لابن القيم ص 46 حيث قال " عمل القلب : نيته واخلاصه "
و معارج القبول 2/589 .
الأمر الثاني :
الذي يدل على أن العمل هنا هو عمل الجوارح :
أن من العلماء من حكى الاجماع بلفظ قريب من لفظ الشافعي وصرح بأن العمل هو عمل الجوارح :
قال الإمام الآجري في الشريعة ص 125(ط.دار الكتب العلمية ، ت: محمد بن الحسن اسماعيل ) بعد ذكر المرجئة وسوء مذاهبهم عند العلماء :
وهو في الطبعة المحققة للدكتور الدميجي 2/686
" بل نقول – والحمد لله – قولا يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم وقد تقدم ذكرنا لهم : ان الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة ، لا يجزي بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك " انتهى .
قد يقال : هذا الاجماع كاف في المسألة ومصرح بأن الثلاثة لا يجزي بعضها عن بعض ، فلم التركيز على ما نقله الشافعي ؟
والجواب : ان الآجري متوفي سنة( 360 ه )، وقد يقال انه ينقل الاجماع عن اهل عصره ، اما الشافعي فإنه يحكي اجماع الصحابة والتابعين ، فلا مجال لنقض هذا الاجماع الا بإثبات مخالف له من الصحابة !
ولتمام الفائدة أنقل إجماعا آخر حكاه الآجري أيضا
قال ص 102 ( 2/611 ت: الدميجي )
" قال محمد بن الحسين : اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم : أن الذي عليه علماء المسلمين أن الايمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح .
ثم اعلموا أنه لا تجزيء المعرفة بالقلب والتصديق الا ان يكون معه الايمان باللسان نطقا ،
ولا تجزيء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح ،
فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمنا .
دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين " .
ودفعا لما قد يتوهمه البعض ، ومنعا لتطويل النقاش بغير فائدة أقول : وقفت على من حاول تأويل قول الشافعي – ومثله قول الآجري هنا – : " لا يجزي "
وأقول : تأمل جيدا قوله (لا تجزيء المعرفة بالقلب والتصديق الا ان يكون معه الايمان باللسان نطقا)
يظهر لك جليا أن الإجزاء هنا بمعنى الصحة والقبول ، إذ لا يصح الايمان مع ترك قول اللسان بإجماع اهل السنة !!!!
وقوله بعد ذلك : "لا تنفعه " صريح في اثبات المطلوب .
وقال الآجري في ايضاح الاجماع الذي حكاه : ص 103 ( 2/614 ت: الدميجي )
" فالأعمال – رحمكم الله تعالى – بالجوارح تصديق للايمان بالقلب واللسان .
فمن لم يصدق الايمان بجوارحه : مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ،
ورضي من نفسه بالمعرفة والقول : لم يكن مؤمنا ، ولم تنفعـــــــــه المعرفة والقول ، وكان تركه العمل تكذيبا منه لايمانه ، وكان العمل بما ذكرنا تصديقا منه لايمانه ، وبالله تعالى التوفيق " انتهى كلام الآجري.
وقال أيضا في كتابه الاربعين حديثا ، المطبوع مع الشريعة ص 422
" اعلموا رحمنا الله واياكم ان الذي عليه علماء المسلمين واجب على جميع الخلق : وهو تصديق القلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح . ثم إنه لا تجزيء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح . فإذا اكتملت فيه هذه الخصال الثلاثة كان مؤمنا ، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين … ولا ينفع القول اذا لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع القلب …
وإنما الايمان بما فرض الله على الجوارح تصديقا لما أمر الله به القلب ، ونطق به اللسان ، لقوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) وقال عز وجل ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )
وفي غير موضع من القرآن ، ومثله فرض الحج وفرض الجهاد على البدن بجميع الجوارح . والاعمال بالجوارح تصديق عن الايمان بالقلب واللسان .
فمن لم يصدق بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه هذه ، ومن رضي لنفسه بالمعرفة دون القول والعمل لم يكن مؤمنا .
ومن لم يعتقد المعرفة والقول كان تركه للعمل تكذيبا منه لايمانه [كذا ]
وكان العمل بما ذكرنا تصديقا منه لايمانه ، فاعلم ذلك .
هذا مذهب علماء المسلمين قديما وحديثا ،
فمن قال غير هذا فهو مرجيء خبيث ، فاحذره على دينك ، والدليل عليه قوله عز وجل ( وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " انتهى كلام الآجري رحمه الله .
وبعد : فهذا هو الدليل المعتمد عندي في هذه المسألة ، وهو كما رأيت إجماع الصحابة والتابعين، وغير خاف عليك خطر الخروج عن اجماعهم ، والحيدة عن طريقهم ، فدونك هذه الحجة ، تأملها حق التأمل ، ودقق فيها من كل وجه ، فإذا سلمت بدلالتها على المطلوب ، فليس يخفى عليك أني لن أقبل في معارضتها قول قائل ، او استنباط مستنبط.
وليس من سبيل الى نقض هذا الاجماع الا بإثبات مخالف له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
( كتبت هذا المقال بتاريخ 18/3/2001 ، ونشر بالساحة الإسلامية ، وبشبكة الفجر ، وأنا المسلم).
كتبه … الموحد
من مات على التوحيد دخل الجنة و إن لم يعمل ؟ / جواب الشيخ صالح الفوزان حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
السائل : أثابكم الله هذا سائل يقول من مات على التوحيد دخل الجنة و إن لم يعمل
الشيخ : نعم فيه حديث إن صاحب البطاقة أنه يُعرض له تسع و تسعون سجلا كل سجل مد البصر كلها مملوؤة بالسيئات فيقال له هل لك حسنة ؟ فيقول لا يا ربي . فيقول الله بلى ، إنك لا تظلم ثم يؤتى ببطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله و يدخل الجنة ، يدخل بها الجنة فهذا يدل على أن هذا الرجل دخل الجنة و لم يعمل ، قال لا إله إلا الله لكنه لم يعمل فيدخل الجنة ، يقول المرجئة أن هذا دليل على أن الأعمال ليست من الإيمان ، نقول لا ، الحديث هذا مجمل و هناك أحاديث مفصلة ، لا نؤخذ واحد و نترك البقية ، ها مجمل ، الأحاديث مفصلة أنه لا بد من العمل ,آيات و أحاديث على أن الأعمال من الإيمان كما سبق ، لكن هذا الرجل قال هذه الكلمة صادقا من قلبه ثم مات و لم يتمكن من العمل ، مات و لم يتمكن من العمل ، دخل في الإسلام و نطق بالشهادتين و مات أو قتل ، لم يتمكن من العمل فيدخل بذلك الجنة بصدقه و إخلاصه و دخوله في الإسلام ، فنحن ما نؤخذ بطرف من الأدلة و نترك الطرف الثاني ، نجمع بين الأدلة ، نعم ، ليس هذا الحديث وحده هو الذي جاء في هذه المسألة بل هناك أحاديث كثيرة يفسر بعضها بعضا و يقيد بعضها بعضا و يخص بعضها بعضا ، نعم .
شرح الشيخ لكتاب الإيمان بتاريخ : 18-8-1430 هـ
الدرس الثاني من دورة الملك سعود الثالثة عشرلعام 1430 هـ المقامة بجدة
رد الشيخ صالح آل الشيخ على من يقول مسألة تارك جنس العمل ( جميع الأعمال بالكلية ) مسألة غير عملية و ليست مُتصورة
السؤال: من أخرج العمل عن مسمى الإيمان… لكن قالوا العمل ثمرة وليس من مسمى الإيمان، هل الخلاف بيننا حقيقي؟
الجواب : الخلاف بيننا وبينة مرجئة الفقهاء حقيقي وليس لفظياً ولا صورياً ولا شكلياً.
ومن حيث التنظير لا من حيث الواقع الفرق بيننا وبينهم أنه عندهم يُتصور أن يعتقد أحد الاعتقاد الحق الصحيح ويقول كلمة التوحيد ينطق بها ويترك جنس العمل؛ يعني لا يعمل عملا أبدا امتثالاً لأمر الشرع، ولا يترك منهياً امتثالاً لأمر الشرع، هذا عندهم مسلم مؤمن ولم لم يعمل البتة، وعندنا ليس بمسلم ولا بمؤمن حتى يكون عنده جنس العمل، ومعنى جنس العمل أن يكون ممتثلا لأمر من أوامر الله طاعة لله جل وعلا، منتهيا عن بعض نواهي الله، طاعة لله جل وعلا ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم أهل السنة اختلفوا هل الصلاة مثل غيرها؟ أم أن الصلاة أمرها يختلف، وهي المسألة المعروفة بتكفير تارك الصلاة تهاونا وكسلا، هذه اختلف فيها أهل السنة كما هو معروف، واختلافهم فيها ليس اختلافاً في اشتراط العمل.
فمن قال يكفر بترك الصلاة تهاونا وكسلا يقول: العمل الذي يجب هنا هو الصلاة؛ لأنه إن ترك الصلاة فإنه لا إيمان له.
والآخرون من أهل السنة الذين يقولون لا يكفر تارك الصلاة كسلا وتهاونا يقولون لابد من جنس عمل ، لابد من أن يأتي بالزكاة ممتثلا، بالصيام ممتثلا، بالحج ممتثلا ،يعني واحد منها، أن يأتي طاعة من الطاعات ممتثلا حتى يكون عنده بعض العمل ، أصل العمل؛ لأنه لا يسمى إيمان حتى يكون ثم عمل.
لأن حقيقة الإيمان راجعة إلى هذه الثلاثة النصوص القول والعمل والاعتقاد، فمن قال إن حقيقة الإيمان يخرج مها العمل فإنه ترك دلالة النصوص.
فإذن الفرق بيننا وبينهم حقيقي وليس شكليا أو صورياً.
هل هذا في الواقع مطبّق متصور أم غير متصور؟ هنا هو الذي يشكل على بعض الناس، يرى أنه لا يتصور أن يكون مؤمنا يقول كلمة التوحيد ويعتقد الاعتقاد الحق ولا يعمل خيرا قط يعني لا يأتي بطاعة امتثالاً لأمر الله ولا ينتهي عن محرم امتثالاً لأمر الله، يقولون أن هذا غير متصور، ولما كان أنه غير متصور في الواقع عندهم جعلوه ثمرة ، صار الخلاف شكلي كما ظنوه، لكن هذا ليس بصحيح لأننا ننظر إليها لا من جهة الواقع ، ننظر إليها من جهة دلالة النصوص فالنصوص دلت على أن العمل أحد أركان الإيمان، فإذا كانت دلت على ذلك فوجب جعله ركنا فمن خالف فيه فيكون مخالفاً خلافاً أصلياً وليس صورياً ولا شكلياً :خلافاً جوهرياً، هل يتمثل هذا في الواقع أو لا يتمثل؟ هذه المسألة الله جل وعلا هو الذي يتولى عباده فيها، لأنه العباد قد يفوتهم أشياء من حيث معرفة جميع الخلق وأعمال الناس وما أتوه وما تركوه، والله أعلم.
——————————————————————————–
——————————————————————————–
قائمة العلماء والدعاة الشيخ عبد العزيز بن أحمد الحميدي سلسلة المرجئة في الميزان
للشيخ : عبد العزيز بن أحمد الحميدي
تصنيف : مذاهب باطلة
م
الدرس
الاستماع للمادة
استمع له
1 تعريف الإيمان والخلل الذي وقعوا فيه
3813
2 الأصول التي تحدد ماهية الإيمان وحقيقته
2955
3 حرص السلف على فضح أسماء المرجئة
2892
4 الأدلة على ركنية العمل في الإيمان
2791
5 الأصل الأول والثاني في الرد على شبهات المرجئة
2958
6 الأصل الثالث والرابع في الرد على شبهات المرجئة
2913
7 أوسع حديث يعتمد عليه المرجئة
2957
وهذا هو الرابط , فنرجو الاستماع لهذا
الشرح جيدا وعلي مهل بارك الله فيكم
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=467
هل يدخل الجنة من لم يعمل خيراً قط؟
السؤال: إن الله يخرج من النار أقواماً لم يعملوا خيراً قط؟
فكيف تردون على هذه الشبهة؟
الجواب: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كتب أنه لن يُدخل الجنة إلا نفساً مؤمنة, كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ومن نقض الإيمان لن يدخل الجنة أبداً, ومن ذلك مثلاً: ترك الصلاة, من ترك الصلاة عامداً متعمداًَ فإنه كافر, حرم الله تعالى عليه الجنة, كما أجمع على ذلك الصحابة رضوان الله عليهم, لكن هذه الرواية: {إن الله يخرج أقواماً لم يعملوا خيراً قط } جاءت ضمن حديث طويل, هو حديث الشفاعة, وقد رواه البخاري , ومسلم , حيث يجمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الخلائق يوم القيامة, ثم يأمر من كان يعبد شيئاً أن يتبعه, فيتبع الذين كانوا يعبدون الطواغيت الطواغيت, ويتبع عبدة الكواكب الكواكب, وكل قوم يتبعون ما يعبدون فلا يبقى إلا المؤمنون الذين يعرفون ربهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, بالعلامة: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42] إلى آخر الحديث الطويل, والمهم أنه بعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة, وأهل النار في النار, يتحنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويرحم خلقه, وهناك أناس لم يكتب لهم الخلود في النار, فهؤلاء يخرجون من النار, فيأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء أن يخرجوهم من النار, وفي نفس هذا الحديث يقول: فيعرفونهم بعلامة السجود, كيف يعرف النبيون والصالحون والملائكة من الشفعاء أن هذا الإنسان يستحق أن يخرج من النار, ويدخل الجنة؟
بعلامة السجود, يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تأكل النار من ابن آدم إلا أعضاء السجود } إلا آثار السجود, لا تأكلها النار, ولذلك يعرفونهم بها.
إذاً، نفهم من هذا أن تارك الصلاة ليس من هؤلاء, وأن قوله: "لم يعملوا خيراً قط" لا يعني أنهم لم يكونوا مصلين, ولا مزكين, لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوماً جالساً مع أصحابه, فقال لهم: {أتدرون من المفلس؟
قالوا: المفلس يا رسول الله، من لا درهم له ولا متاع، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة -يعني أنواع من العبادات- فيأتي وقد ظلم هذا, وشتم هذا, وأخذ مال هذا, فيؤخذ من حسناته فيعطى لهم, حتى إذا نفدت، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه, ثم يلقى في النار } فهذا لم يعمل خيراً, وإن كان يصلي وكان عنده عبادة، لكن ما كان عنده خير, لماذا لم يعمل خيراً؟
لأن الخير ذهب بذهاب الحسنات، وبقي فيه أثر السجود.
وأيضاً الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم ذهب إلى العابد، فسأله فقال: لا توبة لك, فأكمل به المائة, وبعد موته جاءت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب واختصمت فيه, قالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط, كيف لم يعمل خيراً قط؟
ألم يتب؟
أليست التوبة عملاً؟
بل هي من أفضل الأعمال، ومع ذلك قيل فيه: لم يعمل خيراً قط.
وأيضاً حديث الرجل الذي قال لأهله: إذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروا نصفي في البحر, ونصفي في البر, فوالله لئن قدر الله عليّ، ليعذبني عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين, قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كان رجل ممن قبلكم لم يعمل خيراً قط } كيف لم يعمل خيراً قط؟
الرواية الأخرى وضحت ذلك, أنه {أسرف على نفسه بالمعاصي } -بالزنا والخمر والفواحش- فما بقي للصلاة أي أثر على نفسه, حتى قيل عنه: { لم يعمل خيراً قط } ثم أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى البر والبحر, فجمع كلٌ ما فيه، فيبعثه وهو القدير على كل شيء, ويقول: {عبدي لم فعلت ذلك؟ يقول: خوفك يا رب! }
فليس هو الكفر ولا إنكار البعث؛ لكن خوفك يا رب، فيغفر الله له لخوفه من الله, وإلا فإن الاعتقاد بإن الله لا يقدر أن يجمعه إذا كان رماداً -كما يفهم من كلام الرجل وفعله- لا يصح أبداً ولا يجوز أن يعتقده.
وليس هناك حالة فيها أنهم لم يعملوا خيراً قط، لا صلاة ولا صيام ولا أي عمل إلا حالة واحدة، يخرجون من النار ولم يكونوا من أهل الصلاة والإيمان، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كما روى ذلك حذيفة رضي الله تعالى عنه: {يدرس الإسلام -أي يضمحل- كما يدرس الثوب الخلق, حتى لا يدرى ما صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا صدقة, فيبقى الرجل الهرم والمرأة العجوز, يقولون: أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله, فنحن نقول هذه الكلمة, فقال أحد التابعين لحذيفة رضي الله عنه: فما تغنيهم لا إله إلا الله؟! فقال حذيفة رضي الله عنه: تنجيهم من النار } فشرار الخلق عند الله هم الذين يأتون في آخر الزمان, وهم هؤلاء, بعد أن رفع القرآن ورفع العلم, ولا يدرون عن أي شيء, ويرتكبون الموبقات والمعاصي, أهم شيء عندهم هو تكرير كلمة لا إله إلا الله, أدركنا آباءنا يقولونها، فهؤلاء تنجيهم من النار , لأنهم ما أدركوا شيئاً من الدين, لكن من يعلم أن الصلاة واجبة وكذلك الزكاة والحج وترك الخمر وترك الزنا وترك الفواحش, ثم يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا الله, ولا يؤثر عليّ ترك الأعمال ,فنقول له: هؤلاء لم يعلموا بالواجبات حتى يعملوا بها، أما أنت فقد علمت بها فلا يشملك حكمهم، فكيف تقارن نفسك بهؤلاء وهم في حالة الجهل, وأنت في ديار العلم!!
والناس فيما يتعلق بالإيمان والعقيدة يعتمدون على أن المسلم من يشهد أن لا إله إلا الله فقط، كما هو مذهب المرجئة ، أما المذهب الحق وهو ما عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته، فلا بد من العمل، وقد أجمع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر.
معنى ( لم يعملوا خيراً قط )
——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى ( لم يعملوا خيراً قط )
لا شك و لا ريب أن الحق الذي لا ينبغي المحيد عنه ـ أخي السلفي ـ أن الإيمان قول و عمل؛ قول القلب (و هو اعتقاده)، و قول اللسان، و عمل القلب و عمل الجوارح؛ مع اعتبار كل من القول و الاعتقاد و العمل أركاناً في الإيمان؛ لا يقوم الإيمان إلا بها جميعاً، أما تصور وجود إيمان شرعي صحيح في القلب مع تخلف جميع أعمال الجوارح فغير ممكن، بل و مخالف لإجماع السلف الصالح في حقيقة الإيمان.
و أما من جعل مسألة تارك عمل الجوارح بالكلية مسألة خلافية بين أهل السنة، فقوله مخالف للصواب بلا أدنى ارتياب، فالإجماع منقول عن السلف على كفر تارك جنس العمل، و انظر ـ لزاماً ـ رسالة ’’تنبيه الغافلين إلى إجماع المسلمين على أن ترك جنس العمل كفر بالدين‘‘ للشيخ حمد العتيق حفظه الله.
و قال الشيخ العلامة زيد المدخلي حفظه الله: (( فهم [أي المرجئة] لم يفرقوا بين جنس العمل ـ و الذي يعد شرطاً في صحة الإيمان عند أهل السنة ـ و بين آحاد العمل و أفراده و الذي يعد تاركه غير مستكمل الإيمان ))، ’’الأجوبة السديدة‘‘ (6/318).
و قد يعترض أحدهم بالأحاديث التي جاء فيها: ( أن الله يخرج من النار أناساً لم يعملوا خيراً قط )، و هذه الأحاديث حق، غير أنها من المتشابه، و سبيل أهل السنة هو رد المتشابه إلى المحكم، فلا تعارض بين نصوص الكتاب و السنة، و لله الحمد.
و أنقل هنا بعض كلام أهل العلم في توجيه هذا الحديث، أسأل الله أن ينفع به من لم يزل عنده شك في المسألة؛ خاصة و كثير من طلبة العلم الذين لم ترسخ أقدامهم في فهم عقيدة السلف لا يزالون يثيرون الشبه حول إجماع السلف في هذا الباب، هدانا الله و إياهم إلى الحق.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب ’’التوحيد‘‘ (2/732): (( هذه اللفظة: ( لم يعملوا خيراً قط ) من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال و التمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيراً قط على التمام و الكمال، لا على ما أُوجب عليه، و أُمر به )).
و قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (( معنى قوله: ( لم يعملوا خيراً قط ) أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل؛ آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط.
وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً؛ فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة، وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين، والعياذ بالله.
فالمهم أن هذا الحديث: إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيراً قط، وإما أن يكون هذا عاماً ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة؛ فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار ))، ’’فتاوى العقيدة‘‘ (رقم123، ص123) ط. دار المنهاج.
و سئل الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله أن هناك من يقول بأن ترك العمل الظاهر بالكلية لا يكفر و يستدل على هذا بحديث ( لم يعملوا خيرا قط )، و حديث صاحب البطاقة، فما هو الرد على هذه الشبه؟
فأجاب أطال الله في عمره بما نصه: (( هذه طريقة أهل الزيغ؛ يأخذون حديثاً واحداً و يتركون بقية الأحاديث. الراسخون في العلم يجمعون بين الأدلة، بين كلام الله و كلام رسوله و يفسرون بعضه ببعض، أما أنه يأخذ حديث البطاقة فقط، أو حديث ( لم يعملوا خيراً قط )، و يترك الأحاديث المقيدة لهذه الأحاديث المطلقة، فهذا ضلال و العياذ بالله، { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } [آل عمران:7].
المتشابه يرد إلى المحكم، فنحمل حديث صاحب البطاقة و صاحب الذي لم يعمل خيراً قط و يخرج من النار؛ على أنه لم يتمكن من العمل، نطق بـ ( لا إله إلا الله ) عن قلب و عن إيمان، ثم قتل أو مات في الحال و لم يتمكن من العمل، أو كان لم يبلغه شيء من هذا الدين لبعده عن بلاد المسلمين، و لكن قال لا اله إلا الله مخلصا و لم يعمل، لأنه لم يعرف العمل.
أما الذي ليس له عذر في ترك العمل، و تركه من غير عذر، فهذا ليس بمؤمن، بدليل الآيات و الأحاديث التي تدل على أن الإيمان لابد معه من العمل ))، ’’مذهب أهل السنة و الجماعة في الإيمان‘‘ (ص59-60).
و سئل الشيخ العلامة زيد بن هادي المدخلي حفظه الله: كيف توجه حديث: ( أن يخرج من النار أناساً لم يعملوا خيرا قط ) ؟
فأجاب نفع الله به: (( نوجهه أن معهم التوحيد، و أهل التوحيد لا يخلدون في النار و إن عذبوا فيها، بل مآلهم الجنة بشفاعة الشافعين كما جاء في حديث الشفاعة: ( شفعت الملائكة و شفع الأنبياء و شفع الصالحون و لم يبق إلا ارحم الراحمين )، فيخرج من النار قوماً قد امتحشوا فيوضعون في نهر الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يدخلون الجنة و يقال هؤلاء عتقاء الرحمن؛ فالمهم أنه لا يبقى في النار أحد في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، فهذا هو الذي يحمل عليه الحديث في نظري، و الله أعلم ))، ’’العقد المنضد الجديد في الإجابة على مسائل الفقه و المناهج و التوحيد‘‘ (1/45).
ثم علَّق في الحاشية قائلاً (ص45-46): (( و وُفِّقت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ و عضوية كل من الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، و الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد، فقد قالوا ما نصه: ( و أما ما جاء في الحديث ( أن قوماً يدخلون الجنة لم يعملوا خيراً قط ) فليس عاماً لكل من ترك العمل و هو يقدر عليه، و إنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة و ما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب ) اهـ، رقم الفتوى (21436) و تاريخ (8/4/1421هـ).
قلت ـ أي الشيخ زيد ـ: و كلامهم هذا فيه جمع بين نصوص الوعد و الوعيد كما فيه رد المشكل من النصوص إلى المبين، و الله أعلم )).
و قوله حفظه الله: (( معهم التوحيد، و أهل التوحيد لا يخلدون في النار و إن عذبوا فيها..))، يُفسِّره كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في ’’كشف الشبهات‘‘: (( لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب و اللسان و العمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون في مع إبليس و أمثالهما.. ))، انظر ’’شرح كشف الشبهات‘‘ (ص116) للعلامة الفوزان.
و قال أيضاً: (( لا خلاف بين الأمة أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم، و اللسان الذي هو القول، و العمل الذي هو تنفيذ الأوامر و [اجتناب] النواهي، فإن أخل بشيء من هذا، لم يكن الرجل مسلماً، فإن أقر بالتوحيد ولم يعمل به؛ فهو كافر معاند كفرعون وإبليس و أمثالهما..))، ’’الدرر السنية‘‘ (2/124).
و قال رحمه الله: (( فلابد في شهادة: ألا إله إلا الله، من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان؛ فإن اختل نوع من هذه الأنواع، لم يكن الرجل مسلماً؛ فإذا كان الرجل مسلماً، وعاملاً بالأركان، ثم حدث منه قول، أو فعل، أو اعتقاد، يناقض ذلك، لم ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ وأدلة ذلك في الكتاب والسنة، وكلام أئمة الإسلام، أكثر من أن تحصر ))، ’’الدرر السنية‘‘ (2/350).
و قال أيضاً ـ كما في ’’الدرر السنية‘‘ (10/87) ـ: (( اعلم رحمك الله: أن دين الله يكون على القلب بالاعتقاد، وبالحب والبغض، ويكون على اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام، وترك الأفعال التي تكفر؛ فإذا اختل واحدة من هذه الثلاث، كفر وارتد )).
و النقلين الأخيرين استفدتهما من أحد تعليقات الشيخ أسامة بن عطايا العتيبي على شبكة الانترنت، فجزاه الله خيراً، و أعظم له أجراً.
تم ما أردت نقله في هذا المقال، و الحمد لله رب العالمين.
فريد المرادي.
الجزائر في 20 محرم 1428هـ.
المرجئة شبهات وردود
أبو مريم محمد الجريتلي
مقالات متعلقة
تاريخ الإضافة: 13/6/2010 ميلادي – 1/7/1431 هجري زيارة: 822
إنَّ الحمْدَ لله نحْمَده، ونستعينه ونستغفِره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومِن سيِّئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد أضْحى الحديثُ عن الفِرَق التي خالفتْ أهلَ السُّنَّة والجَمَاعة، وبيان أطوار نشأتها، ومنهجها، وطرق استدلالها على بِدْعتها، ودحْض شبهاتها – مِن الأمر الذي زَخَرتْ به المكتبةُ الإسلامية قديمًا وحديثًا، وقد نالتْ فِرقةُ المرجئة النصيبَ الوافر من المؤلَّفات؛ لما للإرجاء من خَطَر عظيم على العقيدة الإسلامية، كما قال الزُّهري رحمه الله: "ما ابتُدِعت في الإسلام بِدعةٌ هي أضرُّ على أهله مِن هذه – يعني: الإرجاء"، قال الأوزاعي: "كان يحيى وقتادَة يقولان: ليس مِن أهل الأهواء شيء أخوف عندَهم على الأمَّة من الإرجاء"، وقال إبراهيم النَّخَعي – رحمه الله -: "لآثار المرجئة أخوفُ على هذه الأمَّة مِن فِتنة الأزارقة"[1]، والأزارقة هم طائفةٌ من الخوارج، وقال: "ترَكوا هذا الدِّين أرقَّ من الثوب السابري"، الثوب السابري: ثوبٌ رقيق.
ولكن مقام المقالة جمْع ما تفرَّق مِن شُبهات المرجئة القديمة والمعاصَرة، وتركيز العبارة في الردِّ بجُمَل ثابتة منقولة عن علماء أهل السُّنَّة والجماعة؛ حتى يتيسَّرَ على طالب العلم حِفظُها، والردُّ على المرجئة بها دون عناء البحث والتنقيب، وتحرير محلِّ النزاع، والله من وراء القصد.
واليكم رابط المقال
http://www.alukah.net/Sharia/0/22645/
وان شاء الله يأتي المزيد
لقاء قطر بالهاتف مع العلامة بن عثيمين رحمه الله -جنس أو نوع أو آحاد العمل طنطنة لا فائدة منها- mp3
——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،،،
نظراً لأن مسائل الايمان كثر فيها الكلام، واختلط فيها الحق بالباطل..
ولدينا كلام للشيخ (ابن عثيمين) رحمه الله. في قضية جنس العمل، وأعمال الجوارح وغيرها مما هو مثار نقاش واختلاف وتشاحن وتدابر.
وحرصا منا على الألفة بين الرواد جميعاً .. اليكم كلام الشيخ (ابن عثيمين) رحمه الله صوتاً ومكتوباً..
وجزاكم الله خيرا.
والآن اليكم كلام الشيخ (ابن عثيمين) رحمه الله
حوار على الهاتف مع فضيلة الشيخ ابن عثيمين
حول مسائل الإيمان وجنس العمل والإرجاء المنسوب للشيخ الألباني
نظمت إدارة الدعوة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر لقاءً عبر الهاتف مع فضيلة الشيخ ابن عثيمين وبعد موعظة عامة أجاب الشيخ على مجموعة من الأسئلة التالية:
س : شخص قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه مصدقاً بقلبه مستسلماً منقاداً لكنه لم يعمل بجوارحه خيراً قط مع إمكان العمل هل هو داخل في المشيئة أم كافر؟
ج : أقول والحمد لله رب العالمين : إذا كان لا يصلي فهو كافر ولو قال لا إله إلا الله. لو كان صادقاً بقول لا إله إلا الله مخلصاً بها والله لن يترك الصلاة . لان الصلاة صلة بين الإنسان وبين الله عز وجل فقد جاء في الأدلة من القرآن والسنة والنظر الصحيح وإجماع الصحابة كما حكاه غير واحد على أن تارك الصلاة كافر مخلد في نار جهنم وليس داخلاً تحت المشيئة ونحن إذا قلنا بذلك لم نقله عن فراغ ونحن إذا قلنا بذلك فإنما قلناه لأنه من مدلولات كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال الصحابة التي حُكي إجماعهم عليها . قال عبد الله بن شقيق كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شئ من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة الحافظ ابن راهويه – رحمه الله – وهو إمام مشهور . أما سائر الأعمال إذا تركها الإنسان كان تحت المشيئة يعني لو لم يزك مثلاً فهذا تحت المشيئة لان النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر عقوبة مانع الزكاة قال ثم يرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى النار ومعلوم انه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة والصيام والحج كذلك من تركها لم يكفر وهو تحت المشيئة ولكنه يكون أفسق عباد الله.
س : الشق الثاني يقول وهل يوجد خلاف بين أهل السنة في حكم هذا الرجل بناء على حكم تارك مباني الإسلام الأربع والخلاف فيها؟
ج : مسألة الخلاف لا أستطيع حصره ولكن يجب أن نعلم أن الكفر حكم شرعي لا يتلقى إلا من الشرع وأن الأصل في المسلمين الإسلام حتى يدل دليل على خروجهم منه . والتسرع في التكفير خطير جداً جداً جداً ، حتى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال محذراً منه – أي من التكفير – من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك حار عليه – أي على القائل – أي رجع على القائل.
س :سائل آخر يقول كيف نفهم حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عند مسلم وفيه فيخرج الله منها قوماً لم يعملوا خيراً قط؟
ج : نفهم هذا أنه عام وأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة ومعلوم عند العلماء أن العام يخصص بخاص لان هذا الحديث لم يقل لم يصلي حتى نقول أنه معارض للنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة بل قال لم يعمل خيرا قط فلم ينص على الصلاة بل عمم ونصوص كفر تارك الصلاة خاصة فتخص بما خصصت به.
س : الخلاف الواقع في حكم تارك الصلاة هل هو خلاف داخل في دائرة أهل السنة أم لا؟
ج : نعم خلاف داخل في دائرة أهل السنة ، وأهل السنة أنفسهم مختلفون في هذا كما يختلفون مثلاً في فروض الوضوء ووجوب الوضوء من لحم الإبل وما أشبه ذلك.
س : يقول البعض إذا ترك عمل الجوارح بالكلية خرج من الإيمان ولكن لا يقتضي عدم انتفاعه بأصل الإيمان والشهادتين بل ينتفع بهما كمن أراد الحج ولم يشهد عرفة وهو ركن فإنه ينتفع بالأركان الأخرى فما قول فضيلتكم في ذلك؟
ج : نقول هذا ليس بصواب إنه لن ينتفع بإيمانه مع ترك الصلاة التي دلت النصوص على كفر تاركها وكذلك لو ترك الوقوف بعرفة ما صح حجه كما دل على ذلك سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما من أدرك عرفة قبل الفجر يوم النحر فقد أدرك ومن لا فلا حتى لو جاء بعد ذلك بالرمي والمبيت في منى والطواف والسعي لم يكن حج.
س : هذا سائل يقول : يقول البعض إن الشيخ الألباني – رحمه الله – قوله في مسائل الإيمان قول المرجئة . فما قول فضيلتكم في هذا؟
ج : أقول كما قال الأول:
اقلوا عليه لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سد
الألباني رحمه الله عالم محدث فقيه وإن كان محدثاً أقوى منه فقيهاً ولا أعلم له كلاماً يدل على الإرجاء أبداً . لكن الذين يريدون أن يكفروا الناس يقولون عنه وعن أمثاله إنهم مرجئة، فهو من باب التلقيب بألقاب السوء وأنا أشهد للشيخ الألباني رحمه الله بالاستقامة وسلامة المعتقد وحسن المقصد ولكن مع ذلك لا نقول أنه لا يخطئ لأنه لا أحد معصوم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام.
قد يخطئ في مسائل يكون الصواب فيها خلاف قوله وقد يكون الصواب في قوله لكن العمل به غير صواب كما قال في مسألة التبرج وجواز كشف الوجه واليدين فإن هذا حتى لو كان هذا ما تقتضيه الأدلة عنده فلا ينبغي نشره في هذا الزمن لأن الناس متأهبون جداً أعني كثيراً من الناس لمثل هذا فمادام الناس محافظين لا حاجة لأن نفتح لهم الباب لأنهم لم يتركوا واجباً وهذه خطة يجب على طالب العلم أن ينتبه لها وهى أنه إذا تضمن الشيء شراً فليمسك أرأيتم حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ حين قال له أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله ( كذا قال الشيخ ) أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق الله على العباد ( كذا قال الشيخ ) ألا يعذب من لا يشرك به شيئا فقال معاذ أفلا أبشر الناس يا رسول الله قال لا تبشرهم فيتكلوا فمنعه من إفشاء هذا الحديث مع أنه مسألة في العقيدة مهم جداً خوفاً من أن تفهم بهذا الشكل وأراد أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم ولكن منعه أن قريشاً كانوا حديثي عهد بكفر فخاف أن يكون بذلك فتنة . والعالم حقيقة هو الذي يكون عنده علم ويربي الناس فالعلم ليس نظريات فقط بل نظريات وتطبيق.
س : هذا سائل ينقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ويطلب التوضيح " الإيمان منه ما هو ركن لا يتم الإيمان إلا به ومنه ما هو واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة ومنه ما هو مستحب يفوت بفواته علو الدرجة فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه إذا ذهب ذهب عن الكمال ومنه ما إذا ذهب ذهب الإيمان بالكلية وهو القول والاعتقاد "كما ذكر الأخ هذا الكلام لشيخ الإسلام؟
قال الشيخ : وايش الإشكال ؟
قال المحاور : الأخ يطلب توضيح هذا الكلام
ج : هذا واضح . الإيمان منه ما تركه كفر كما لو أنكر أحد أركان الإيمان هذا كفر ومنه ما هو كمال مثل قوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " المراد هنا كمال الإيمان وقد يكون فيه شئ مستحب كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النساء ناقصات عقل ودين وجعل نقصان دينها أن تترك الصلاة في أيام الحيض مع أن هذا ليس بإرادتها هذا نقص الكمال.
س :" تارك جنس العمل كافر . تارك آحاد العمل ليس بكافر " ما رأيكم في ذلك ؟
ج : من قال هذه القاعدة ؟ ! من قائلها ؟! هل قالها محمد رسول الله ؟! كلام لا معنى له .نقول من كفره الله ورسوله فهو كافر ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر هذا الصواب . أما جنس العمل أو نوع العمل أو آحاد العمل فهذا كله طنطنة لا فائدة منها.
س : هل أعمال الجوارح شرط في أصل الإيمان وصحته أم أنها شرط في كمال الإيمان الواجب ؟
ج : تختلف ، فتارك الصلاة مثلاً كافر إذاً فعل الصلاة من لوازم الإيمان
وإني أنصح إخواني أن يتركوا هذه الأشياء والبحث فيها وأن يرجعوا إلى ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح لم يكونوا يعرفون مثل هذه الأمور .
المؤمن من جعله الله ورسوله مؤمناً والكافر من جعله الله ورسوله كافراً. وانتهى
س : إذا كنا في بلد يفتي أهل العلم فيها بأن تارك الصلاة ليس كافراً كفراً أكبر فإذا مات تارك للصلاة في هذا البلد فهل يترك الناس غسله والصلاة عليه وهل يمنعون دفنه في مقابر المسلمين في هذا البلد وهل مات مسلماً لأنه مقلد لعلماء بلده ؟
ج : أما من يعتقد أنه كافر نعم فهذا لا يصلي عليه وأما من لا يعتقد فليصلي عليه وهكذا ينظر في الخلاف.
س : سائل يقول : نعلم أن هناك المسلم والكافر ولكن هل هناك من نستطيع أن نصفه بأنه مجهول الحكم وهل استعمل أهل العلم من السلف هذه اللفظة ؟
ج : لا الحكم واضح محدد في كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ولا في أحد مجهول الحال إلا إذا كانت الأدلة مشتبهة عند بعض الناس في كفره أو إيمانه صار مجهولاً من حيث الحكم أو أن الرجل نفسه مجهول لا يدرى عنه فهذا مجهول من حيث الحال ومع ذلك فالأصل في المسلمين الإسلام حتى يقوم دليل صريح في خروجهم من الإسلام . وإذا قُدر أنه قدم جنازة وصاحبها مبتدع نشك في إيمانه فهنا نستثني عند الدعاء له فنقول اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه إلى آخره . هكذا ذكر ابن القيم – رحمه الله – عن شيخه شيخ الإسلام أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله – أي سأله شيخ الإسلام – عن الرجل يقدم إلينا لا ندري أمؤمن هو أم كافر قال عليك بالشرط يا أحمد أي قل اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه والشرط في الدعاء جاء في القرآن كما في قوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " . التثنية إذا شككت هذا إذا كان الشك أصل ومعتمد وإلا فالأصل في جنائز المسلمين انهم مسلمون فادعوا الله ولا تستثني.
س : سائل يقول : نرجو توضيح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث قال : ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا وإذا لم يكن عمل كذب أن في القلب إيمانا لان ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم "
ج : كلام الشيخ ظاهر وهو مروي عن الحسن البصري – رحمه الله – " أن الإيمان ليس بالتمني و لا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال " وهذا معلوم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " فمعلوم أن القلب إذا كان فيه إيمان فلا بد أن تظهر مقتضياته على الجوارح.
س : قائل يقول " الكفر الأكبر والشرك الأكبر يعود إلى الاستحلال القلبي فليس هناك عمل أو قول هو كفر أكبر إلا إذا تضمن الاستحلال القلبي " فما رأيكم في هذا القول ،وهل هذا هو معتقد أهل السنة ؟
ج : كل هذا كلام فارغ الكفر والإيمان موكول للشرع فمن كفره الله ورسوله فهو كافر سواء بعمل أو اعتقاد أو قول أو فعل ومن لم يكفره الله ورسوله وهو منتسب إلى الإسلام فهو مؤمن لا يحل لنا أن نكفره.
ولو أن طلبة العلم المبتدئين والشباب الغيورين سلكوا هذا المسلك الذي قلنا سلموا من هذه التقديرات وهذه التعبيرات.
الكافر من كفره الله ورسوله والمؤمن المنتسب للإسلام من لم يكفره الله ورسوله
س : فضيلة الشيخ سائل يقول ذكرتم في محاضرتكم هذه أنه يجب على طالب العلم أن يفتي بما عليه الجمهور
الشيخ معترضاً : أنا ما قلت هكذا لكن السائل فهم هذا الفهم ، قلنا إذا رأى الإنسان أن هذا القول صواب ولكن يخالف الجمهور فلا يتعجل في الإفتاء به حتى يحقق ويراجع العلماء ويطالع الكتب ، أن ما هو عليه هو الصواب وكثيراً ما يذكر الإنسان أن ما عليه الناس خطأ ثم بعد البحث والمناقشة يتبين أنه الصواب . فأقول وأكرر إذا تراءى لك أن هذا القول صواب وراجح وهو مخالف لجمهور العلماء أو ما عليه علماء البلاد فلا تتعجل في الإفتاء به حتى تتأكد وتردد ويظهر لك بعد البحث والمناقشة والمراجعة أن الصواب معك فحينئذ لابد من بيان الصواب فرق بين قوله لا يفتي بخلافه وبين قولي ، لا يفتي حتى يتأكد.
س : فضيلة الشيخ سائل يقول هل أفتيتم بجواز الانتخابات وما حكمها ؟
ج : نعم أفتينا بذلك ولا بد من هذا لأنه إذا فقد صوت المسلمين معناه تمحض المجلس لأهل الشر وإذا شارك المسلمون في الانتخابات انتخبوا من يرون أنهم أهل لذلك فيحصل بهذا خير وبركة.
س : سائل يقول ما حكم من التحق بالجماعات والأحزاب الإسلامية؟
ج : أما من التحق بطريقة السلف فهذا هو الذي على الحق وما خالف ذلك ففرقة وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي صححه كثير من العلماء أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي ؟ قال من كان على مثل ما عليه أنا وأصحابي . فالفرقة المنصورة الظاهرة هي التي كانت على منهج السلف الصالح عقيدة بالجنان وقولاً باللسان وعملاً بالأركان.
س : سائل يقول ما قول الشيخ – حفظه الله – في تدريس هذا الكتاب للناشئة وهو مشتمل على العناوين الآتية المكتوبة بالخط البارز سنذكرها لكم :-
يقول " لا يكفر المسلم حتى يترك أصل الإيمان القلبي "
ج : أنا قلت في هذا اللقاء إن تارك الصلاة كافر ولو كان مقراً بوجوبها
السائل يقول في موطن آخر " جمهور العلماء وليس المرجئة يقولون بنجاة تارك …
قاطعه الشيخ رحمه الله تعالى قائلاً :
هؤلاء يريدون سفك الدماء واستحلال الحرام لماذا صاحب هذا الكتاب ما أصل أصول أهل السنة والجماعة كما أصلها شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية أما أن لا يكون لهم هم إلا التكفير (جنس العمل -نوع العمل -آحاد العمل) وما أشبه ذلك لماذا …. (كلمة غير واضحة للشيخ حفظه الله)
السائل :نأسف على الإطالة في هذا النوع من الأسئلة حقيقة أن سبب الطرح أن أحد طلبة العلم عندنا هنا في قطر يدرس في هذا الكتاب الذي يدور حول هذه المسائل والقضايا.
الشيخ : أنا ما أقول شئ بالنسبة للكتاب ، تغيره أو تبديله الواجب على وزارة المعارف أو التعليم العالي أن تنظر في هذا الكتاب وتلغيه إذا كان ليس لكاتبه هم إلا هذا فهذا لا خلاف فيه.
س : يقول البعض أنه لا بد أن نبدأ بمسائل الإيمان والحكم على الناس في الإيمان والكفر وأن هذا هو أهم أمور التوحيد ولا بد من صرف الهمة إلى هذا الأمر فهل هذا صحيح وما هي المراحل التي يبدأ بها علم التوحيد والتي ينبغي تعليمها أولاً للناس؟
ج : هذا صحيح بالنسبة إذا كنا نخاطب كفاراً أما إذا كنا نخاطب مسلمين معنا يصلون صلاتنا ويصومون صومنا ويحجون حجنا فنبين لهم أحكام هذه الأعمال ثم أيضاً نبين التوحيد لأنه قد يوجد في بعض البلاد الإسلامية ما هو كفر أكبر وشرك أكبر فهنا لا بد من البيان.
والى هنا ينتهي هذا اللقاء والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ،،، وأرنا البـاطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
إدارة شبكة سحاب السلفية
_______________________________
فواز الجزائري
وهذه مشاركة لي في سحاب الخير كانت قبل أربع أو خمس سنوات..
دفاع الشيخين الجليلين ابن عثيمين وربيع المدخلي عن عقيدة الإمام الألباني
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فهذا اتصال هاتفي أجريته مع الشيخين الجليلين ابن عثيمين -رحمه الله- وربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- بتاريخ 9 / 3 / 1421 هـ في قضايا الإيمان والإرجاء وذلك حين أثارها بعض المرجفين من أهل الأهواء قاصدين بذلك الطعن في إمام أهل السنة محمّد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- ورميه بمذهب الإرجاء الرديء (!) , فما كان من الشيخين الجليلين إلاّ أن دافعا عن عقيدة هذا الإمام الجليل دفاعاً قوياً تخرص معه ألسنة الطاعنين فيه والحاقدين عليه فجزاهما الله تعالى كلّ خيرٍ إنّه سميع قريب مجيب .
وقد انتشر هذا الشريط في حينه في بلدنا ( الجزائر ) بعنوان " دفاعٌ عن الألباني " تحت إشراف وتوزيع مؤسّسة مجالس الهدى-زادها الله هدى وكان الله لها ولصاحبها- .
ونفع الله به كثيرا في ذلك الوقت وذلك لما يكنّه أهل هذا البلد من الاحترام والتقدير لهذين العالمين الجليلين .
واليوم وكما يقال " التاريخ يعيد نفسه " أحيا أهل الأهواء هذه الحرب العمياء على أهل السنّة الأبرياء الأصفياء ضامّين في هذه المرة إلى قائمة المتهمين بهذه النّحلة إماماً آخر من أئمّة السنّة بحقٍٍ في هذا العصر ألا وهو الشيخ العلاّمة ربيع بن هادي المدخلي -كان الله له- وما نقموا منه إلاّ منهجه الصافي الرقراق وجهاده المبارك لأهل البدع والشقاق .
أقول : مع أنّ الشيخ -حفظه الله- يحارب الإرجاء – من قديم – بكل أشكاله وألوانه كما ستقرأ بعضاً من ذلك في هذا المقال -إن شاء الله تعالى- بل إنّ الشيخ -وفقه الله- يُحارب الإرجاء الغالي في هذا الزمن ألا وهو إرجاء القطبيين الذين لا يضر عندهم مع الإيمان بدعة مهما عظمت (!!) وإن كانت سباً للأنبياء أو سباً للصحابة أو قولاً بخلق القرآن أو… الخ كل ذلك لا يضر (!!) عندهم مع الإيمان ألا قاتل الله الهوى .
ولمّا رأوا الشيخ جاداً في محاربة هذا الإرجاء الخطير -وهم من أهله- فكّروا في حيلة يُوقِفون بها هذا الجهاد المبارك فما وجدوا إلاّ تهمة الإرجاء – الذين هم أهلها وأحقّ بها- ووجدوا مع ذلك من يكفيهم مؤنة هذه الحرب الجديدة ويقودها بكل شجاعة ومهارة فسلّموا له القيادة وأبقوا لهم السيادة والوصاية .
أتدرون من هذا القائد الجديد ؟ إنّه فالح الحربي-هداه الله- ,المحارب لأهل السنّة والإيمان لقد رضي بهذه الحرب المعلومة الخسارة قطعاً لأنّ الله وعد أهل الحق -ووعده حق- بالنصر في الدارين فقال عَزَّ وجلَّ : ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) (غافر:51)
وهو ماضٍ في طريقه المظلم هو وجنوده لا يلتفتون إلى نصح النّاصحين ولا إلى ردود الصادقين عليهم بل هم كما قال القائل :
لــــقد أسمعت لو نـاديت حيّاً * * * ولكن لاحياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت * * * ولكن أنت تنفخ في رماد
من أجل هذا كلّه أحببت أن أساهم في صدّ هذا العدوان الشنيع بتفريغ مادة هذا الشريط القيم ونشره على هذه الشبكة المباركة حتى يعمّ النفع إن شاء الله تعالى , أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يثبتنا وإيَّاكم على الحق المبين إنّ ربنا لسميع الدعاء والحمد لله ربّ العالمين .
نصّ المكالمة مع العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى – :
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
السائل : شيخنا نحن طلبة من الجزائر عندنا بعض الأسئلة إذا كان ممكن تضرب لنا موعداً
الشيخ : هات الآن سؤال أو سؤالين .
السائل : شيخنا عندنا هنا في الجزائر وردت رسالة لأحد المجهولين وهو أبو رحيّم اتهم فيها الشيخ الألباني -رحمه الله- بالإرجاء وكذا تلامذته كالشيخ علي حسن , هل تعرفون هذا الشخص وماذا
تعرفون عليه ؟
الشيخ : لا والله ما أعرفه ، ولكن من رمى الشيخ الألباني بالإرجاء فقد أخطأ , إمّا أنّه لا يعرف الألباني , وإمّا أنّه لا يعرف الإرجاء . الألباني رجلٌ من أهل السنّة – رحمه الله – مدافعٌ عنها , إمام في الحديث , لانعلم أنّ أحداً يباريه في عصرنا , لكن بعض النّاس – نسأل الله العافية – يكون في قلبه حقدُ , إذا رأى قبول الشخص ذهب يلمزه بشيءٍ كفعل المنافقين ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ) (التوبة:79) ، فيلمزون المتصدق المكثر من الصدقة والمتصدق الفقير .
الرجل -رحمه الله- أعرفه من كتبه , وأعرفه بمجالسته أحياناً , سلفيَّ العقيدة , سليم المنهج , لكن بعض النّاس يريد أن يكفّر عباد الله بما لم يكفّرهم الله به , ثمّ يدّعي أنّ من خالفه في هذا التكفير فهو مرجئ (1) – كذباً وزوراً وبهتاناً – لذلك لا تسمعوا لهذا القول من أيّ إنسان صدر .
فسبحان الله لو فرضنا قال قائل في مسألة واحدة من مذهب الإرجاء , هل يصح أن نسميه مرجئاً ؟ الجواب : لا .
كما أنّه لو أنّ أحدا من فقهاء الحنابلة أخذ بقول الشافعية في مسألة من المسائل لا نقول أنّه شافعي , وكذلك لو أنّ أحدا أخذ في مسألة واحدة من مسائل الأشاعرة لا نقول أنّه أشعري , إذا أردنا أن نقول , نقول : هو قال بهذا القول وهو قول الأشاعرة و لا نصفه هو بالأشعري , هذه المسألة يجب التفطن لها لأنّ بعض النّاس أيضا أخطأ في ابن حجر و النّووي و أشباههما حين تأوّلوا في الصفات فقالوا هؤلاء أشاعرة و أطلقوا , لم يقولوا : قالوا بقول الأشاعرة في هذه المسألة , الأشاعرة لهم مذهب مستقل في باب الصفات و في باب الإيمان و في باب الأ فعال – أفعال العباد – و في القضاء و القدر,فلينتبه الشباب لهذه المسألة .
السائل: شيخنا هم ينقمون على الشيخ الألباني -رحمه الله- أنّه يقول أنّ من ترك العمل كلية لا يكفر و يستدل بحديث النبي صلى الله عليه و سلم : ( أنّ الله عز و جل يخرج يوم القيامة بشفاعته أناسا لم يعملوا خيرا قطّ ) و ينسبون إلى شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله- قاعدة يضربون بها كلام الشيخ الألباني و هي قولهم أنّ شيخ الإسلام يفرق بين جنس العمل و أنّ من تركه كفر و بين آحاد العمل و أنّ من تركه لم يكفر فما تعليقكم على هذا الكلام ؟
الشيخ : تعليقنا أوّلا : أنّ كلام عالم ليس بحجة على عالم آخر بل هذا من مسائل النـزاع التي فيها الرجوع إلى الكتاب و السنّة , فالواجب علينا أن نقول : ما دلّ الكتاب و السنّة على كفر تاركه فهو كافر , فماذا عن الصلاة ؟ ترك الصلاة لا شكّ عندي أنّه كفر و أنّ تاركها مرتدّ عن الإسلام , لو مات فإنّه لا يغسّل و لا يكفّن و لا يصلّى عليه و لا يدفن مع المسلمين و لا يدعى له بالرحمة , قال عبد الله بن شقيق : (كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلّم لا يرون شيئا من الإسلام تركه كفر إلاّ الصلاة )
أمّا حديث الشفاعة أو حديث الخروج من النّار لمن لم يعمل خيرا قطّ فهذا عام ,لم يعمل خيرا , و معلوم أنّ النصوص العامة تقيد بالخاص , فيقال هذا الحديث عمومه مخصوص بأدلة واضحة على كفر تارك الصلاة و أنّه لا يخرج من النّار , و ما أكثر الأحاديث بل و الآيات العامة التي خُصِّصت و لو لم نقل بذلك لضربنا الكل بعضها ببعض , أفهمت ؟
السائل: نعم .
الشيخ : هذا الجواب , حديث الشفاعة أو إخراجه من النّار و من لم يعمل خيرا قطّ هو كما قلت لك , نعم لو كان في الحديث ولم يصلِّ هنا يكون التعارض .
السائل : لكن شيخنا أحسن الله إليكم هل يتصور أن يوجد مسلم يؤمن بالله و باليوم الآخر بقلبه ثمّ لا يقوم بأيّ عمل من الأعمال ؟
الشيخ : لا, لا تقول بأيّ عمل من الأعمال , قل ثمّ لا يصلّي .
السائل: غير الصلاة يا شيخنا ؟
الشيخ: لا غير الصلاة ,الصحيح أنّه لا يكفر بترك عمل من الأعمال إلاّ الصلاة .
السّائل: شيخنا -أحسن الله إليكم- الإشكال الذي عند كثير من الشباب و الذي أثاره هؤلاء المرجفون – يعني أبو رحيم ومن شاكله – وهو نقلهم عن شيخ الإسلام – و أنا بصراحة قرأت هذا الكلام ووجدته عند شيخ الإسلام – وهو أنّه يمتنع ولا يتصور ويستحيل أن يوجد مسلم لا يقوم بأيّ عمل من الأعمال هل هذه صورة واقعيّة ؟
الشيخ : الجواب هو كما قاله تلميذه ابن القيّم لماّ تكلّم عن كفر تارك الصلاة , قال: لا يمكن أبدا لمؤمن يحافظ على ترك الصلاة أبدا حتّى لو قال أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله و أومن بالله و اليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبييّن وهو لا يصلي هذا غير ممكن .
السائل : جزاكم الله خيرا ,بالنّسبة لمسألة الإيمان شيخنا -حفظكم الله- هل يصّح أن نقول إنّ العمل شرط كمال أم شرط صحّة ؟
الشيخ: هل قال ذلك الصحابة للرّسول ؟
السائل: لا .
الشيخ: طيّب , هل نحن أحرص منهم على العلم ؟
السائل: لا.
الشيخ : هل نحن أحرص منهم على الإيمان ؟
السائل: لا.
الشيخ : لماذا يسكتون ونقول ؟ من كفّره الله كفّرناه ومن لم يكفره الله فهو مؤمن ودعوا الكلام أنّ هذا من كمال الإيمان أو من أصل الإيمان ,الذي يترك الصلاة كافر أعلمت أم لا ؟
السائل: نعم . الإشكال الذي عند الشباب هو ما سمعوه من بعض العلماء أنّ من جاء بالتّوحيد و ترك كل العمل – يعني على قول من لا يكفر تارك الصلاة- فهذا لا يكفّر .
الشيخ : هل يطاع من لم يكفّر تارك الصلاة و القرآن والسنّة يشهدان بذلك ؟
السائل : هذا هو الإشكال يا شيخ , يعني يا شيخنا هذا لا يتصور أصلا أن يوجد مسلم و لا يقوم بأيّ عمل من الأعمال , لا الأعمال الواجبة الظاهرة و لا المستحبّات , فهذا لا يتصور شيخنا.
الشيخ: لا يمكن.
السائل: صحيح هذا ؟
الشيخ: نعم.
السائل: جزاكم الله خيرا.
– نصّ المكالمة مع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله – :
السائل : وردت رسالة لأبي رحيم هذا و كثير من الشباب تأثّروا بهذه الرسالة و أصبحوا يطعنون في الشيخ الألباني -رحمه الله- و الشيخ علي حسن ,فنرجوا منكم كلمة حول الشيخ الألباني -جزاكم الله خيرا- .
الشيخ : الألباني من أئمّة السنّة و لا يجوز لكم الطعن فيه و إذا أخطأ فهو خطأ اجتهادي إن شاء الله يغفر له فيه , نحن لا نقول أنّه معصوم , لكن نقول إنّ هذا الرجل جنّد نفسه ستّين عاما أو أكثر في خدمة المنهج , خدمة العقيدة و محاربة البدع و أهلها , و حُورِبَ من كلّ مكان لأجل هذا الحقّ فلا يكافَأ منّا بهذا العقوق و هذه المواقف الرّديئة . استفيدوا من علم الرجل الذي قدّمه لكم , استفيدوا من خدمته لسنّة رسول الله , خدمته للعقيدة , محاربته للإرجاء , هذا الذي تلصقونه به , مات وهو يتبرّأ من الإرجاء و يبكي ممّن يرميه بالإرجاء .
فإذا كان يقول : الإيمان قول وعمل و اعتقاد و يزيد وينقص و المرجئة خالفوا كتاب الله و سنّة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ,هذا ابن أبي العز يقول الخلاف بيننا و بين مرجئة الفقهاء أبو حنيفة و جماعته خلاف لفظي .
قال (الألباني) : لا ليس بلفظي , بل هو حقيقي و جوهري -راجعوا شرح الطحاوية له (الشرح الصغير)- و أكّد هذا مراّت و كرّات إلى أن مات , فإذا صدرت منه كلمة في حال المناظرة لا نسقطه على طريقة أهل الأهواء .
و نحن لا نجامل أحدا , نقول كلمة الحقّ -إن شاء الله- و لو كان خصم الألباني يهوديّ أو مبتدع و الحقّ معه نقول الحقّ -فضلا عن أن يكون واحد سلفيّ- و إذا كان الحقّ له ننصره و نذّب عنه -إن شاء الله-.
السائل : اتصلت بالشيخ العثيمين -حفظه الله- و سألته بعض المسائل , من بين المسائل يا شيخ قلت له هل يتصوّر أن يوجد مسلم يؤمن بالله و اليوم الآخر و لا يقوم بأيّ عمل من الأعمال الظاهرة لا الواجبة ولا المستحبة ؟ فقال لي : لا يتصور ذلك والشيخ علي الحلبي قال لي : إنّه يتصوّر ذلك .
الشيخ : و أنا أؤيد فتوى ابن عثيمين و أقول لا يتصور لأنّ هذه الأمور خيالية فرضيّة , هذا لا يمكن حتّى من يهودي ولا نصرانيّ ,إنسان يؤمن بالربوبيّة فقط لابدّ أن يعمل المشركون كانوا في الجاهليّة يتحركون يا أخي , كيف إنسان يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله لا يعمل أيّ عمل أبدا من أوّل حياته إلى آخرها , هذه أمور فرضيّة ما كان يقولها السّلف … و فعلا ما يتصور أنّ إنساناً يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله و يؤمن بالجنّة و النّار و الرسل و الكتب و…و..ثمّ لا يعمل أبدا ,لا يتصور هذا , لا بدّ أن يعمل حتّى و لو كان منافقا , يعمل أعمالا ظاهرة , فأنا أرى أنّ السلفييّن يبتعدون عن هذه الفرضيّات .
السائل: شيخنا و بناء على هذا فهل يمكن أن نقول إنّ جنس العمل شرط صحّة في الإيمان ؟
الشيخ : العمل القلبي إذا لم يوجد فيكون كافرا , يعني العمل عملان : عمل القلوب من خوف الله وحبّه و بغض الكفر و الكافرين , هذه أعمال قلبيّة إذا لم توجد فليس هو بمسلم , لكن مثل ترك الصلاة اختلف فيها العلماء -بارك الله فيك- و فيهم أئمّة فحول وفطاحل العلماء و كبارهم و أئمّتهم قالوا هو غير كافر, إن تركها جحدا فهو كافر بالإجماع و إن تركها غير جاحد يقتل عند الجمهور و قد يخالفهم أبو حنيفة لكن لابد عنده من العقوبة و العمل لا بُدَّ منه حتّى عند المرجئة , حتّى المرجئة يقولون لابدّ من العمل .
السائل : يعني شيخنا لا يضرّ أن نقول جنس العمل أو غير ذلك فالعبرة بالحقائق ؟
الشيخ: يا أخي أنا أقول الفلسفات يجب أن نبتعد عنها , أنا أقول لا أتصور مسلماً ولا يهودياً ولا نصرانياً ولا وثنيّاً لا يعمل خيراً أبدا ,هندوكي يعبد البقر يعمل خيرا ,كيف إنسان مسلم طول حياته يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله ثمّ لا يعمل عملا قطّ, هذا كلام خيال .
السائل : يعني شيخنا لا نحتاج أن نقول جنس العمل شرط ما دام أنّ هذا لا يتصور ؟
الشيخ : نقول كما قال السلف : الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وفي تارك الصلاة الخلاف جار بين السلف فمن ترجح له التكفير لا نلومه إذا اتّقى الله و اجتهد و ترجح له التكفير لأنّ هذا من مسائل الاجتهاد فلا نلومه و لا نختصم معه هو أخونا , و من ترجح له عدم التكفير لا نقول عنه مرجئا , و الذي يكفر تارك الصلاة لا نقول عنه خارجيّ ,عرفت؟
السائل : نعم.
الشيخ : يعني جنس العمل و الصلاة هذه لا ندخل فيها لأنّ قضيّة الصلاة مفروغ منها اختلف فيها العلماء , و جنس العمل أمر خيالي فرضي لا ندخل في المتاهات هذه , نقول الإيمان قول و عمل واعتقاد و لا بدّ من العمل و الذي يقول العمل ليس من الإيمان فهو مرجئٌ ضالٌّ. حيّاكم الله . اهـ
السائل : جزاكم الله خيرا.
—————-
أقول : أخي الكريم هذا ما أجاب به هذان العالمان الجليلان منذ أكثر من خمس سنوات (!) وقد كان جوابهما متفقاً غير مفترق -والحمد لله – لأنّهما يأخذان من مشكاة واحدة ويلتقيان على منهج واحد . فليتب إلى الله تعالى مَنْ طعن في أئمّة السنَّة الألباني وربيع بن هادي وغيرهما -حفظ الله تعالى الأحياء منهم ورحم أمواتهم- قبل ألاَّ يكون درهم ولا دينار إنَّما هي الحسنات والسيئات (!!).
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
—————-
الحواشي :
(1) : لقد أدرك هذا الإمام الفذ أنّه لا يرمي السلفيين بالإرجاء إلاّ أهل التكفير الخوارج وهذا يؤكد الاعتقاد في الحدّادية أنّهم تكفيريون متسترون لأنّه ما حارب السلفيين مثلهم بالإرجاء .
بسم الله الرحمن الرحيم
إجماع الأئمة على كفر تارك العمل بالكلية , وبيان أنها مسألة خيالية
الشيخ العلامة الألباني -رحمه الله-
« إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ! ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح…».اهـ
انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).
وقال أيضا الألباني -رحمه الله-
((قال الله تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، هذه الباء هنا سببيه يعني بسبب عملكم الصالح، وأعظم الأعمال الصالحة هو الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ سأله رجل عن أفضل الأعمال.
قال: إيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان عمل قلبي مُشْ كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة لـه بالعمل!!!، لا، الإيمان:
أولًا: لابد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله ؛ ثم لابد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب، أن يظهر ذلك على البدن والجوارح لذلك فقوله تبارك وتعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني…)).اﻫ.
"الوجه الثاني" من الشريط (11) من "سلسلة الهدى والنور"
الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز
-رحمه الله-
« المحاور : من لم يكفر تارك الصلاة من السلف ، أيكون العمل عنده شرط كمال ؟ أم شرط صحة ؟
الشيخ بن باز : لا ، بل العمل عند الجميع شرط صحة ،إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه ؛
فقالت جماعة : إنه الصـلاة ، وعليـه إجماع الصحابـة رضـي الله عنهم ، كما حكاه عبد الله بن شقيق.
وقال آخرون بغيرها. إلا أن جنس العمل لابد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً. لهذا الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد ، لا يصح إلا بها مجتمعة. »
انتهى كلامه رحمه الله
المصدر :حوار مع الشيخ نُشر في جريدة الجزيرة – عدد 12506في 13/7/1423هـ
الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
« السائل : جزاكم الله خيرا ,بالنّسبة لمسألة الإيمان شيخنا -حفظكم الله- هل يصّح أن نقول إنّ العمل شرط كمال أم شرط صحّة ؟
الشيخ: هل قال ذلك الصحابة للرّسول ؟
السائل: لا .
الشيخ: طيّب , هل نحن أحرص منهم على العلم ؟
السائل: لا.
الشيخ : هل نحن أحرص منهم على الإيمان ؟
السائل: لا.
الشيخ : لماذا يسكتون ونقول ؟ من كفّره الله كفّرناه ومن لم يكفره الله فهو مؤمن ودعوا الكلام أنّ هذا من كمال الإيمان أو من أصل الإيمان ,الذي يترك الصلاة كافر أعلمت أم لا ؟
السائل: نعم . الإشكال الذي عند الشباب هو ما سمعوه من بعض العلماء أنّ من جاء بالتّوحيد و ترك كل العمل – يعني على قول من لا يكفر تارك الصلاة- فهذا لا يكفّر .
الشيخ : هل يطاع من لم يكفّر تارك الصلاة و القرآن والسنّة يشهدان بذلك ؟
السائل : هذا هو الإشكال يا شيخ , يعني يا شيخنا هذا لا يتصور أصلا أن يوجد مسلم و لا يقوم بأيّ عمل من الأعمال , لا الأعمال الواجبة الظاهرة و لا المستحبّات , فهذا لا يتصور شيخنا.
الشيخ: لا يمكن.
السائل: صحيح هذا ؟؟
الشيخ: نعم.
السائل: جزاكم الله خيرا.» انتهى
من شريط بعنوان " دفاع عن الألباني " , توزيع مؤسّسة مجالس الهدى بالجزائر الشقيق , وهو عبارة عن مكالمة هاتفية أجراها أحد إخواننا الفضلاء مع الشيخ العثيمين والشيخ ربيع بتاريخ 9 / 3 / 1421 هـ , انقر هنا
الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى-
السائل : اتصلت بالشيخ العثيمين -حفظه الله- و سألته بعض المسائل , من بين المسائل يا شيخ قلت له هل يتصوّر أن يوجد مسلم يؤمن بالله و اليوم الآخر و لا يقوم بأيّ عمل من الأعمال الظاهرة لا الواجبة ولا المستحبة ؟ فقال لي : لا يتصور ذلك والشيخ علي الحلبي قال لي : إنّه يُتصوّر ذلك .
الشيخ : و أنا أؤيد فتوى ابن عثيمين و أقول لا يتصور لأنّ هذه الأمور خيالية فرضيّة , هذا لا يمكن حتّى من يهودي ولا نصرانيّ ,إنسان يؤمن بالربوبيّة فقط لابدّ أن يعمل المشركون كانوا في الجاهليّة يتحركون يا أخي , كيف إنسان يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله لا يعمل أيّ عمل أبدا من أوّل حياته إلى آخرها , هذه أمور فرضيّة ما كان يقولها السّلف … و فعلا ما يتصور أنّ إنساناً يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله و يؤمن بالجنّة و النّار و الرسل و الكتب و…و..ثمّ لا يعمل أبدا ,لا يتصور هذا , لا بدّ أن يعمل حتّى و لو كان منافقا , يعمل أعمالا ظاهرة , فأنا أرى أنّ السلفييّن يبتعدون عن هذه الفرضيّات .
السائل : يعني شيخنا لا يضرّ أن نقول جنس العمل أو غير ذلك فالعبرة بالحقائق ؟
الشيخ: يا أخي أنا أقول الفلسفات يجب أن نبتعد عنها , أنا أقول لا أتصور مسلماً ولا يهودياً ولا نصرانياً ولا وثنيّاً لا يعمل خيراً أبدا ,هندوكي يعبد البقر يعمل خيرا ,كيف إنسان مسلم طول حياته يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله ثمّ لا يعمل عملا قطّ, هذا كلام خيال .
السائل : يعني شيخنا لا نحتاج أن نقول جنس العمل شرط ما دام أنّ هذا لا يتصور ؟
الشيخ : نقول كما قال السلف : الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وفي تارك الصلاة الخلاف جار بين السلف فمن ترجح له التكفير لا نلومه إذا اتّقى الله و اجتهد و ترجح له التكفير لأنّ هذا من مسائل الاجتهاد فلا نلومه و لا نختصم معه هو أخونا , و من ترجح له عدم التكفير لا نقول عنه مرجئا , و الذي يكفر تارك الصلاة لا نقول عنه خارجيّ ,عرفت؟
السائل : نعم.
الشيخ : يعني جنس العمل و الصلاة هذه لا ندخل فيها لأنّ قضيّة الصلاة مفروغ منها اختلف فيها العلماء , و جنس العمل أمر خيالي فرضي لا ندخل في المتاهات هذه , نقول الإيمان قول و عمل واعتقاد و لا بدّ من العمل و الذي يقول العمل ليس من الإيمان فهو مرجئٌ ضالٌّ. حيّاكم الله . اهـ
السائل : جزاكم الله خيرا.
من شريط بعنوان " دفاع عن الألباني " , توزيع مؤسّسة مجالس الهدى بالجزائر الشقيق , وهو عبارة عن مكالمة هاتفية أجراها أحد إخواننا الفضلاء مع الشيخ العثيمين والشيخ ربيع بتاريخ 9 / 3 / 1421 هـ , انقر هنا
الشيخ زيد المدخلي -حفظه الله-
السؤال : ما هو ردكم على من يزعم أن السلف اختلفوا فى تكفير تارك أعمال الجوارح على قولين ؟
الجواب :
البحث فى هذا معروف عند أهل السنة وهو أن ترك الأعمال كلها فلم يعمل شيئاً من أعمال الجوارح فلا حظَّ له فى الإسلام ، إذ أن الإيمان وحقيقته الإيمان ما اجتمع فيه قيود أربعة : النطق باللسان ، والاعتقاد بالقلب ، والعمل بالجوارح ، والقول بزيادة الإيمان ونقصانه .
فالمهم أن من يعتقد أن تارك العمل بالكلية لا يعمل شيئاً من فرائض الإسلام وواجباته ، ولا ينتهى عن محرماته ، أن من اعتقد بأن هذا من أهل التوحيد ومن أهل الجنة إذا مات على ذلك فهو غلطان .
والصحيح أن تارك الأعمال جملة وتفصيلاً لا حظَّ له فى الإسلام ، ولا يتورع أحد فى القول بكفره الكفر المخرج من الملة ، إذ بأي شيء يلقى الله ويدخل الجنة ، لأنه حتى لو قال ( لا إله إلا الله ) ما قام بشيء من معانيها ولا من مستلزماتها ومقتضياتها .
أما بقية الأعمال يعنى كونه يعمل ببعض الأعمال ويقصر فى البعض بالشيء الذى لا يخرجه من دائرة الإسلام فهذا من طبيعة البشر ، وأهل المعاصي قول أهل السنة والجماعة فيهم أنهم تحت المشيئة ، من شاء الله عزَّ وجل غفر له ذنوبه وأدخله الجنة بدون أن تمسه النار ، فهو ذو الفضل العظيم ، ومن عاقبه عاقبه بقدر جريمته ويكون مآله إلى الجنة لأنه من أهل التوحيد والصلاة والصوم ، وعموماً من أهل أركان الإيمان والإحسان ، والمسألة مبحوثة في كتب الاعتقاد .
درس يوم الخميس شرح الزاد و الحموية بتاريخ: 24-11-1430 هـ
ومن هنا لتحميل المقطع الصوتي
وقال أيضا الشيخ زيد المدخلي -حفظه الله-
السائل : هل مسألة تارك أعمال الجوارح مسألة اجتهادية بين أهل السنة؟
الشيخ : لا لا ، أهل السنة متفقون على أن أعمال الجوارح من مسمى الإيمان ، الإيمان عند أهل السنة : قول واعتقاد وعمل ، يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، هذه هي حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة.
السائل : هناك يا شيخ كتاب يقرر صاحبه أن تارك أعمال الجوارح بالكلية مؤمن ناقص الإيمان ، وأن هذه مسألة اجتهادية بين أهل السنة والجماعة فلا يجوز الانكار !
الشيخ : لا لا ، هذا ليس بصحيح ، هذا الكلام خطأ ، أهل السنة كما قلت لك على اتفاق على قيود الإيمان الأربعة : نطق باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية.
من قال بغير هذا فقد خالف أهل السنة ، إما مخالفة كلية كالجهمية المعطلة وإما مخالفة جزئية كمرجئة الأشاعرة وبعض الفقهاء.
السائل: هل هذه المسألة التي ذكرتها لك عقيدة المرجئة ؟
الشيخ : على كل حال مرجئة الفقهاء هم الذين يختزلون العمل من مسمى الإيمان ، والأشاعرة كذلك.
السائل : بارك الله فيك ، جزاك الله خيراً.
من هنا لتحميل المقطع الصوتي
الشيخ العلامة الفوزان -حفظه الله-
السؤال: يقول فضيلة الشيخ وفقكم الله هناك من يقول : إن تارك " جنس العمل " بالكلية لا يكفر ، وإن هذا القول قول ثان للسلف لا يستحق الإنكار ولا التبديع ؛ فما صحة هذه المقولة؟
الجواب: هذا كذاب ، اللي يقول هذا الكلام كذاب ، كذب على السلف ، السلف ما قالوا إن الذي يترك جنس العمل و لا يعمل شيء أنه يكون مؤمنا ، من ترك العمل نهائيا من غير عذر ، لا يصلي و لايصوم ولا يعمل أي شيء و يقول أنا مؤمن هذا كذاب ، أما اللي يترك العمل لعذر شرعي ، ما تمكن من العمل ، نطق بالشهادتين بصدق و مات أو قتل في الحال فهذا ما في شك أنه مؤمن لأنه ما تمكن من العمل ، ما تركه رغبة عنه ، أما اللي يتمكن من العمل و يتركه لا يصلي و لا يصوم و لا يزكي و لا يتجنب المحرمات و لا يتجنب الفواحش هذا ليس بمؤمن و لا أحد يقول إنه مؤمن إلا المرجئة ، نعم .
من هنا تحميل المقطع الصوتي
العلامة عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-
السؤال : يقول ظهرت عندنا في الآونة الأخيرة بعض المقالات التي تقرر أن تارك جنس العمل مؤمن ناقص الإيمان ، فما تعليقكم ؟
الجواب : خطأ هذا ، الذي لا يعمل بالمرة ليس بمسلم ، وأن الإيمان لا بد فيه من التصديق ، التصديق الذي في القلب لابد له من عمل يتحقق به ، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون ؛ إبليس مصدق وفرعون مصدق ،لكن ما تحقق بالعمل ، كما أن العمل من صلاة وصيام لا يصح إلا بالإيمان الذي يصححه ،العمل من صلاة وصيام لا بد من إيمان يصححه ، وإلا صار كأعمال المنافقين ، المنافقون يعملون وليس عندهم إيمان وتصديق ، والتصديق الذي في القلب لا بد له من عمل يتحقق به وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون ، لا بد من الأمرين ، ما يمكن أن يكون إيمان بدون عمل أبدًا ولا عمل بدون إيمان ، لا يغني تصديق بدون عمل ولا عمل بدون تصديق ، لا بد من الأمرين ، نعم ، التصديق لا بد له من عمل يتحقق به ، والعمل لا بد له من تصديق يصححه ، نعم.
ومن هنا لتحميل المقطع الصوتي
الشيخ العلامة صالح السُحيمي -حفظه الله-
السائل: يقول السائل : فضيلة الشيخ أحسن الله إليك هناك من يرمي محدث العصر الإمام الألباني – رحمه الله تعالى – بالإرجاء . نرجو التعليق .
قال الشيخ في ثنايا ذبّه عن الإمام الألباني رحمه الله والتشنيع على من رماه بالإرجاء :
" أن من ترك العمل بالكلية و لم يعمل عملا مطلقا ، فلا شك في كفره إجماعا "
من هنا لتحميل المقطع الصوتي
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-
"وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّينَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤَدِّ وَاجِبًا ظَاهِرًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً وَلَا صِيَامًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا لِأَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَهَا مِثْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ أَوْ يُصَدِّقَ الْحَدِيثَ أَوْ يَعْدِلَ فِي قَسَمِهِ وَحُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ إيمَانٍ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ يَرَوْنَ وُجُوبَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِإِيجَابِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَنْ قَالَ : بِحُصُولِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ بِدُونِ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ سَوَاءٌ جَعَلَ فِعْلَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ لَازِمًا لَهُ ؛ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ فَهَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ كَانَ مُخْطِئًا خَطَأً بَيِّنًا وَهَذِهِ بِدْعَةُ الْإِرْجَاءِ الَّتِي أَعْظَمَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ الْكَلَامَ فِي أَهْلِهَا وَقَالُوا فِيهَا مِنْ الْمَقَالَاتِ الْغَلِيظَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَالصَّلَاةُ هِيَ أَعْظَمُهَا وَأَعَمُّهَا وَأَوَّلُهَا وَأَجَلُّهَا."
انتهى من مجموع الفتاوى الجزء الثاثي صحيفة 170
وقال أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- :
" فإذا خلا العبدُ عن العمل بالكُلية لم يكُن مُؤمناً ….-إلى أن قال رحمه الله- وأيضاً فإن حقيقة الدِّين هو الطاعة والانقياد ، وذلك إنما يكون بالفعل، لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئاً فما دانَ لله ديناً، ومن لا دِينَ لهُ فهُو كافر ".
اهـ (شرح العُمدة)
——————————————————
هؤلاء تسعة من كبار العلماء وأئمة الهدى يصرّحون بأن تارك العمل بالكلية كافر بإجماع السلف الصالح قولا واحدا , ولا أعلم عالما واحدا من أهل السنة السلفيين يخالف هؤلاء العلماء فيما ذهبوا إليه , ومن وقف على عالم واحد يقول بأن تارك العمل بالكلية مطلقا لا يكفر , فليتحفنا به مشكورا
وقد يقول قائل :
هؤلاء العلماء لهم أقوال أخرى قد يُفهم منها عدم تكفيرهم لتارك العمل بالكلية , مثل الشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ربيع , فإيش تعليقك ؟
أقول :
قال العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- :
((إذا كان ولابد من نقل كلام أهل العلم فعليه أن يستوفي النقل من أوله إلى آخره , ويجمع كلام العالم في المسألة من مختلف كتبه حتى يتضح مقصوده , ويرد بعض كلامه إلى بعض ولا يكتفي بنقل طرف ويترك الطرف الآخر؛ لأن هذا يسبب سوء الفهم وأن ينسب إلى العالم ما لم يقصده)).اﻫ.
مقدمة كتاب"رفع اللائمة" صحيفة رقم 5
فإذا وعينا ذلك , فهمنا أنه يجب علينا حمل كلام العلماء الموهم الخفي على كلامهم الواضح الجلي , فلا نضرب كلامهم بعضه ببعض!
وقد صرح مشايخنا أن كلام هؤلاء العلماء محمول على من ترك أفراد أعمال الجوارج وشعبها , ولم يخطر على بالهم هذه الصورة الفرضية الخيالية من ترك جميع أعمال الجوارح , فلا يفعل مأمورا به قط ! , ولا ينتهي عن حرام واحد (!!) قط !
ومن ذلك فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله المنشورة على موقعه على هذا الرابط
السؤال : هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح، مع تلفظه بالشهادتين، ووجود أصل الإيـمان القلبي هل هم من المرجئة؟
الجواب : هذا من أهل السنة والجماعة، من قال بعدم كفر من ترك الصيام، أو الزكاة، أو الحج، هذا ليس بكافر، لكنه أتى كبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء، لكن على الصواب لا يكفر كفراً أكبر، أما تارك الصلاة فالأرجح فيه أنه كفر أكبر، إذا تعمد تركها، وأما ترك الزكاة، والصيام، والحج، فهو كفر دون كفر، معصية وكبيرة من الكبائر. اهـ
ومن الواضح جدا أن الشيخ رحمه الله ما قصد تارك العمل مطلقا ! , وإنما قصد من يترك أفراد وشعب الأعمال , والخلاف في هذا بين أهل السنة معروف مشهور , ولم يقصد الشيخ – بداهة – تارك العمل بالكلية أي رجلا يزعم أنه مسلم وعاش دهرا من عمره ولم يترك محرما واحدا لله قط !! , ولم يفعل ما يصح أن يقال فيه أنه عمل صالح قط ! , فلا صدق ولا صلى ولا بر والديه ولا أعان ضعيفا قط ! , ولا أماط الأذى عن الطريق لله قط ! ولا فعل أي شئ إطلاقا !!
فهذا كافر بإجماع السلف الصالح كما تقدم عن كبار العلماء ومنهم ابن باز نفسه ! , فتنبه وكن على بينة وحذر
ومن الأمثلة أيضا كلام الشيخ الألباني في بعض أشرطته , وإطلاقه القول بأن ما جاوز العمل القلبي هو شرط كمال في الإيمان وغير ذلك من العبارات الموهمة
وقد تقدّم النقل عنه بصريح العبارة وبلسان عربي مبين " إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ! ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه " انتهى
فها هو يقول أن الإيمان بدون عمل لا يفيد , وأنه لا يتصور مسلم يعيش دهرا ولا يعمل خيرا قط ! , وأن ذلك خيال محض ! , وأن عدم العمل الصالح دليل على أن الإيمان لم يدخل القلب ..
ومن أراد التفصيل حول عقيدة الألباني في الإيمان فليطالع هذا الموضوع
بيان عقيدة الألباني في الإيمان , والردّ على من رماه بأنه يقول بقول المرجئة !!
وأكرر , إن مسألة كفر تارك العمل بالكلية لا خلاف عليها بين أهل السنة كما سبق نقله عن هؤلاء الأئمة , ومن زعم غير ذلك , فليتحفنا بكلام لعالم سلفي معتبر , شريطة أن يكون من المعاصرين لهذه الفتن القائمة حول المسائل الافتراضية الخيالية ! في هذا الزمان , وهيهات العقيق…
ولا يصلح في هذا المقام التعلق بكلام محتمل أو عبارة موهمة لعالم هنا أو هناك ! ؛ لردّ كل هذه البينات والفتاوى المتتابعات , والإجماعات الواضحات.
وكم كنت أتمنى أن لا يخوض أهل السنة في مثل هذه المسائل الافتراضية الخيالية التي اخترعها أهل الأهواء ليمرروا على الناس باطلهم , ولكن قد كان ما خفت أن يكون , فإنا لله وإنا إليه راجعون..
ويجب على طالب العلم تحرير هذه المسألة والتنبه لها , حتى لا يخالف المعتقد الحق وهو يظن أنه يحسن صنعا , وحتى لا يكون صيدا سهلا للغلاة الذين يكفرون عباد الله بغير وجه حق أو الذين يرمون الألباني والربيع بالإرجاء أو بقول المرجئة ! , وكذلك حتى لا يقع – من حيث لا يدري – في شئ من معتقد المرجئة ! , نسأل الله العافية والسلامة.
وأكرر للمرة الأخيرة , العلماء هم مناراتنا يا إخوة العقيدة والمنهج , إن تركناهم ضللنا
وقد نقلت لك يا طالب الحق جملة كبيرة من أقوالهم من باب الذكرى , والذكرى تنفع المؤمنين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين.
بعض إخواننا – هداهم الله – يقولون لا يكفي أن يقول الإمام الألباني أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن العمل جزء من الإيمان حتى يبرأ من الإرجاء أوله وآخره !!
فأقول لهم : وماذا عن قوله رحمه الله :
((قال الله تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، هذه الباء هنا سببيه يعني بسبب عملكم الصالح، وأعظم الأعمال الصالحة هو الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ سأله رجل عن أفضل الأعمال.
قال: إيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان عمل قلبي مُشْ كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة لـه بالعمل!!!، لا، الإيمان:
أولًا: لابد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله ؛ ثم لابد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب، أن يظهر ذلك على البدن والجوارحلذلك فقوله تبارك وتعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني…)).اﻫ.
"الوجه الثاني" من الشريط (11) من "سلسلة الهدى والنور"
وقوله رحمه الله :
« إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ! ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح…».اهـ
انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول
ألا يكفي كلامه هذا – على أقل الأحوال ! – لتتوقفوا عن رميه بقول المرجئة !؟
أنشدكم الله ، أمن يقول هذا الكلام يُنسب إليه موافقة المُرجئة في الإيمان !!؟؟
لا أدري – والله – ، ماذا سيقول هؤلاء عندما يقفون بين يدي الله ويحاججهم الألباني عن خوضهم في عقيدته والافتراء عليه ؟!
——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
& =============&
ثم اما بعد
&=====&
مما استقر في الدين، واتفقت عليه كلمة المسلمين، أن التوحيد ليس كلمة تقال باللسان دون اعتقاد وعمل، بل هو قول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، قيل للحسن البصري رحمه الله: إن أناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة ؟ فقال: من قال لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله، منذ سبعين سنة، فقال الحسن: نعم العُدّة، لكن لـ " لا إله إلا الله " شروطاً، فإياك وقذف المحصنة ! .
وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك. فأسنان "لا إله إلا الله" هي الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، وهي تتفاوت في درجاتها، فبعضها تعلو مرتبته، فيصبح شرطاً في صحة الإيمان، وبعضها تقل مرتبته فيكون واجباً أو مندوباً، يُنقص الإيمان ولا يبطله . وقد بحث العلماء في شروط التوحيد، وما به يكون مقبولاً ونافعاً عند الله، فذكروا سبعة شروط، وفي بعضها تداخل، وهي:
1- العلم بمعناها المنافي للجهل: فلا يكفي أن يرددها الإنسان دون أن يعلم معناها، ليكون من أهلها، قال تعالى لنبيه: { فاعلم أنه لا إله إلا الله } (محمد:19) ، وأخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ).
2- اليقين: بمعنى ألا يقع في قلب قائلها شك فيها أو فيما تضمنته، لقوله تعالى:{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } (الحجرات:15) وقال صلى الله عليه وسلم: ( أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ) رواه مسلم . فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب، والبعد عن الشك، فإن لم يحصل هذا اليقين فهو النفاق، والمنافقون هم الذين ارتابت قلوبهم ، قال الله تعالى: { إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون } (التوبة:45).
3- القبول لما اقتضته هذه الكلمة: والمراد بالقبول ضد الرد والاستكبار، ذلك أن الله أخبرنا عن أقوام رفضوا قول لا إله إلا الله، فكان ذلك سبب عذابهم، قال تعالى: { إنا كذلك نفعل بالمجرمين * إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } (الصافات:34 – 35 )
4- الانقياد لما دلت عليه: بمعنى أن يكون العبد عاملا بما أمره الله به، منتهيا عما نهاه الله عنه، قال تعالى : { ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور } (لقمان:22) ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: " العروة الوثقى هي لا إله إلا الله" انتهي كلامه . وهذا الشرط يقتضي أن من قالها ولم يعمل خيرا قط مع العلم والقدرة فلا يُحكم له بالإيمان.
5- الصدق: ومعناه أن يقولها صادقا من قلبه، موافقاً قلبه لسانه، قال تعالى: { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون } (البقرة:8-9).
6- الإخلاص: وهو إرادة وجه الله تعالى بهذه الكلمة، قال تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } (البينة: 5 ).
7- المحبة لهذه الكلمة ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها، وبغض ما ناقضها، قال تعالى:{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } (البقرة:165) .
إن التوحيد بشموليته وظلاله، يتسع ليقود الحياة في كل جوانبها، حتى يكون قيام الإنسان ونومه، وحركته وسكونه، بل حتى موته، في التوحيد ولأجل التوحيد، كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } (الأنعام:162)
ارجو من الله ان ينفعنا واياكم
& =================&
منهج أهل السنة في الاستدلال بالمحكم والمتشابه وحديث البطاقة وغيره
——————————————————————————–
اعلم يا أخي أرشدني الله وإياك للهدى والرشاد , بأن كل من يخرج من النار فيدخل الجنة بشفاعة رب العالمين أو من كان من أمثال صاحب البطاقة , غاية ما تكون حالهم ترك جل العمل , لا كله لدلالة الشرع والعقل على ذلك .
فأما الشرع فقد أجمع السلف والخلف من أهل السنة والجماعة , أتباع السلف الصالح أصحاب الحديث , على أن الإيمان الشرعي : اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان , يزيد وينقص , والظاهر ملازم للباطن لا ينفك عنه .
وأما العقل فمن المعلوم عند العقلاء أنه (( متى وجدت الإرادة الجازمة والقدرة التامة وانتفى المانع وجب وجود المقدور حتمًا )) .
(( وهذا شأن كل شيئين بينهما تلازم من الطرفين )) .
ومثاله (( شروق الشمس وطلوع النهار )) .
فهل يقول عاقل بأن الشمس قد تشرق ولا يطلع النهار ؟!
كذلك عمل الجوارح لازم لما في القلب من إيمان صحيح لا ينفك عنه , فمتى وجد أحدهما لزم وجود الثاني ولا بد , ومتى فقد فقد ولا بد .
ومن زعم أنه قد لا يوجد الظاهر مع وجود الباطن بلا موانع , فكأنه يزعم بأن النهار يطلع بلا شروق للشمس , أو أن الشمس تشرق ولا يطلع النهار !
فإن تقرر هذا في نفسك , فاعلم بأن كل ظاهر قد يظهر من بعض الأدلة يخالف هذا الأصل المتقرر , فهو من المتشابه قطعًا , ومجرد رده إلى المحكم كافي في حل الإشكال , بحسب منهج الاستدلال عند أهل الحق والهدى أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالحين .
قال شيخ الإسلام في المحكم والمتشابه: المحكم يميز الحقيقة المقصودة. والمتشابه يشبه هذا، ويشبه هذا . انتهى من مقدمة في التفسير .
قال الشيخ سعد الشثري : المحكم هو الدال على معنى واحد، بحيث لا يوجد هناك اضطراب، ولا اختلاف في معناه.
وأما المتشابه فهو : ما يدل على أكثر من معنى، ويكون المراد به أحد المعاني دون جميعها . انتهى من شرحه للمقدمة
فالمحكم عندنا هو : (( أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان )) وأن الثلاثة متلازمة مترابطة لا تنفك .
والألف واللام في لفظة الإيمان في هذا التعريف السلفي : هي للجنس أو للاستغراق , ومعنى ذلك : أن كل إيمان شرعي عند أهل السنة يتكون من قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ولابد .
فيكفي عند أهل السنة رد ظواهر الأدلة المتشابهة , إلى هذا المحكم الذي لا نزاع فيه بين السلف والخلف , وذلك لأمر الله تبارك وتعالى للمؤمنين بذلك في قوله جل وعز { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }[آل عمران:7] فالراسخون في العلم ومن ليس في قلبه زيغ يقولون : آمنا به , ولا يلزمهم تفسير المتشابه ألبتة , وإلا لم احتاجوا إلى رده إلى المحكم , ومع ذلك قد يظهر لأفرادهم ما لا يظهر لجمهورهم فيحملون المتشابه محملاً يؤيد الأصل المحكم وهذا من توفيق الله تبارك وتعالى وتثبيتًا للمذهب الحق .
وأما من يجزم بأن المتشابه معناه كذا وكذا , بل ويهدم به الأصل المحكم المتفق عليه , بل ويبني بنقيض ذلك عقيدة وغاية ما عنده صور متشابه فيُخشى عليه من الدخول في قوله تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } .
وبرهان أن تلك الصور التي ظاهرها مخالف لأصل أهل السنة في الإيمان وأنها من المتشابه , أن ظواهر تلك الأدلة لها احتمالات تشبه الباطل وجملة من الاحتمالات المشابهة للحق ويجوز أن تُحمل عليه تلك الظواهر من الأدلة , فمن تلكم الاحتمالات المشابهة للحق :
1- يحتمل أن تكون لاُناس أسلموا وماتوا في العهد المكي قبل فرض الفرائض , أو قبل الإخبار بالتكفير بتركها , وزادوا بترك ما يجب عليهم من الهجرة والنصرة والتي يستحقوا بتركها النار دون الخلود فيها كمن قال فيهم ربنا جل وعز { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }[النساء:97] .
2- يحتمل أن تكون لاُناس أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم كصورة الأعراب في قوله تعالى { ولما يدخل الإيمان في قلوبهم } وقد رجح شيخ الإسلام بأنهم مسلمون غير منافقين .
3- يحتمل أن تكون لاُناس أمنوا على يد أهل البدع فعملهم فاسد, لافتقاره لشرط المتابعة فكانت أعمالهم هباءًا منثورًا , وهذه نكتة تفيد شناعة العمل بالبدع , وأنها وإن كانت أعمال واقعة وباعثها إيمان صحيح في القلب , ولكنها لا توزن يوم القيامة مع الحسنات لعدم قبولها وإن كانت في الظاهر أعمال صالحات , فتكون في كفة السيئات .
4- يحتمل أن يكون النفي العام في قوله " لم يعملوا خيرًا قط " من باب إطلاق الكل ويراد به البعض , وهو سائغ في لغة العرب كما قرره ابن خزيمة وابن عبد البر عند كلامهم على هذه اللفظة بعينها .
قال ابن خزيمة : هذه اللفظة " لم يعملوا خيرا قط " من الجنس الذي تقول العرب بنفي الإسم عن الشيء لنقصه عن التمام والكمال فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه .اهـ من كتاب التوحيد لابن خزيمه
قال ابن عبد البر : وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض .اهـ من كتاب التمهيد
فإن تقرر جواز هذه الاحتمالات , فهل يصح الجزم بأن صاحب البطاقة أو أصحاب الشفاعة العظمى تركوا العمل بالكلية ؟
مع المخالفة المضادة لأصل متقرر عند أهل السنة , وكثرة اللوازم الباطلة , وبضميمة هذه الاحتمالات وغيرها مما لا يعلمه الإالله تبارك وتعالى .
فهل يبقى ثمة شك في أن تلك الصور ( صاحب البطاقة , والخارجون بشفاعة رب العالمين ) من المتشابه , وقد حامت حولها كل هذه الاحتمالات؟!
ولكن كما قال ربنا { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } جعلنا الله وإخواننا منهم .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (7/518) : " ليس للإيمان حقيقة واحدة , مثل حقيقة مسمى مسلم في حق جميع المكلفين فى جميع الأزمان بهذا الإعتبار , مثل حقيقة السواد والبياض , بل الإيمان والكفر يختلف بإختلاف المكلف وبلوغ التكليف له , وبزوال الخطاب الذي به التكليف ونحو ذلك , وكذلك الإيمان الواجب على غيره مطلق , لا مثل الإيمان الواجب عليه في كل وقت , فإن الله لما بعث محمداً رسولاً إلى الخلق , كان الواجب على الخلق تصديقه فيما أخبر , وطاعته فيما أمر , ولم يأمرهم حينئذٍ بالصلوات الخمس , ولا صيام شهر رمضان , ولا حج البيت , ولا حرم عليهم الخمر والربا ونحو ذلك , ولا كان أكثر القرآن قد نزل , فمن صدقه حينئذٍ فيما نزل من القرآن وأقر بما أمر به من الشهادتين وتوابع ذلك , كان ذلك الشخص حينئذٍ مؤمناً تام الإيمان الذي وجب عليه , وإن كان مثل ذلك الإيمان لو أتى به بعد الهجرة لم يقبل منه ولو اقتصر عليه كان كافراً .اهـ
والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
قال الشيخ الفوزان -حفظه الله- : "حديث البطاقة حديث صحيح. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وقال الذهبي في "التلخيص": صحيح – وهو حديث عبد الله بن عمرو: "يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسع وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر. ثم يقال: أتنكر من هذا شيئًا؟ فيقول: لا يا رب. فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل ويقول: لا. فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة. وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة – وهي الورقة الصغيرة – فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فيقول: يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" [رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما] فهذا الحديث الشريف فيه أن التوحيد يكفر الله به الخطايا التي لا تقتضي الردّة والخروج من الإسلام، أما الأعمال التي تقتضي الردة فإنها تناقض كلمة التوحيد وتصبح لفظًا مجردًا لا معنى له، قيل للحسن البصري رحمه الله : إن ناسًا يقولون : من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة . فقال : من قال : لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .فكلمة لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، والسبب لا ينفع إلا إذا توفرت شروطه وانتفت موانعه، فالمنافقون يقولون : لا إله إلا الله فلا تنفعهم، وهم في الدرك الأسفل من النار، لأنهم يقولونها بألسنتهم فقط من غير اعتقاد لمعناها وعمل بمقتضاها " . المنتقى من فتاوى الفوزان : 4/31
وقال أيضاً –حفظه الله – : …فهذا يدل على أن هذا الرجل دخل الجنة و لم يعمل ،قال لا إله إلا الله لكنه لم يعمل فيدخل الجنة ،يقول المرجئة أن هذا دليل على أن الأعمال ليست من الإيمان،نقول لا، الحديث هذا مجمل و هناك أحاديث مفصلة ، لا نؤخذ واحد و نترك البقية ، هذا مجمل ، الأحاديث مفصلة أنه لا بد من … ، آيات و أحاديث على أن الأعمال من الإيمان كما سبق ، لكن هذا الرجل قال هذه الكلمة صادقاً من قلبه ثم مات و لم يتمكن من العمل ، مات و لم يتمكن من العمل ، دخل في الإسلام و نطق بالشهادتين و مات أو قتل ، لم يتمكن من العمل فيدخل بذلك الجنة بصدقه و إخلاصه و دخوله في الإسلام ، فنحن ما نؤخذ بطرف من الأدلة و نترك الطرف الثاني ، نجمع بين الأدلة ، نعم ، ليس هذا الحديث وحده هو الذي جاء في هذه المسألة بل هناك أحاديث كثيرة يفسر بعضها بعضا و يقيد بعضها بعضا و يخص بعضها بعضا ، نعم .
شرح الشيخ لكتاب الإيمان بتاريخ : 18-8-1430 هـ- الدرس الثاني من دورة الملك سعود الثالثة عشر لعام 1430 هـ المقامة بجدة "
وقال أيضاً في الجواب عن حديث الشفاعة والبطاقة : "هذا من الاستدلال بالمتشابه ، هذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَه َمِنْهُ ) ، فيأخذون الأدلة المتشابهة ويتركون الأدلة المحكمة التي تفسرها وتبينها .. فلا بد من رد المتشابهة إلى المحكم، فيقال من ترك العمل لعذر شرعي ولم يتمكن منه حتى مات فهذا معذور ، وعليه تحمل هذه الأحاديث .. لأن هذا رجل نطق بالشهادتين معتقداً لهما مخلصاً لله عز وجل ، ثم مات في الحال أو لم يتمكن من العمل ، لكنه نطق بالشهادتين مع الإخلاص لله والتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله ) .. وقال : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) ، هذا لم يتمكن من العمل مع انه نطق بالشهادتين واعتقد معناهما وأخلص لله عز وجل، لكنه لم يبق أمامه فرصة للعمل حتى مات فهذا هو الذي يدخل الجنة بالشهادتين ، وعليه يحمل حديث البطاقة وغيرهمما جاء بمعناه ، والذين يُخرجون من النار وهم لم يعملوا خيراً قط لأنهم لم يتمكنوا من العمل مع أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام، هذا هو الجمع بين الأحاديث) . (الإجابات المهمة في المشاكل المدلهمة) ص112طبعة الحصين : "
فهم العلماء لحديث الشفاعة :
1) قال أبو عبيد القاسم بن سلام : "فإن قال (قائل ): كيف يجوز أن يقال ليس بمؤمن، واسم الإيمان غير زائل عنه ؟ قيل هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئا ولا عملت عملا، وإنما وقع معناهم هاهنا (على ) نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى فيقال: ما هو بولده وهم يعلمون أنه ابن صلبه. ثم يقال مثله في الأخ والزوجة والمملوك. وإنما مذهبهم في هذا المزايلة من الأعمال الواجبة عليهم من الطاعة والبر…." الإيمان : 26_27
2) قال أبوبكر –أي ابن خزيمة – : "هذه اللفظة (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي يقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، لم يعملوا خيرا قط، على التمام والكمال، لا على أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " التوحيد : 183 .
3)قال ابن عبد البر في الاستذكار : " وأما قوله لم يعمل حسنة قط وقد روي لم يعمل خيرا قط أنه لم يعذبه إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير بدليل حديث أبي رافع المذكور وهذا شائع في لسان العرب أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض وقد يقول العرب لم يفعل كذا قط يريد الأكثر من فعله ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام لا يضع عصاه عن عاتقه ( 1 ) يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرا لا أن عصاه كانت ليلا ونهارا على عاتقه وقد فسرنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا "ج:3 ص:94
4) قالت اللجنة الدائمة عن هذه اللفظة : " وأما ما جاء في الحديث أن قوماً يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه, وانما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب " فتوى برقم (21436) .
.
5) قال ابن عثيمين : " ومعنى قوله لم يعملوا حسنةً قط أنهم ما عملوا أعمالا صالحة لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيرا قط وإما أن يكون هذا الحديث مقيدا بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلا فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة وهو مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيرا قط وإما أن يكون هذا عاما ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة فإنه لابد أن يصلي الإنسان فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار. " فتاوى نور على الدرب : التوحيد والعقيدة . موقع الشيخ
6) قال الشيخ الفوزان : "هذا من الاستدلال بالمتشابه ، هذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) ، فيأخذون الأدلةالمتشابهة ويتركون الأدلة المحكمة التي تفسرها وتبينها .. فلا بد من رد المتشابهةإلى المحكم، فيقال من ترك العمل لعذر شرعي ولم يتمكن منه حتى مات فهذا معذور ،وعليه تحمل هذه الأحاديث .. لأن هذا رجل نطق بالشهادتين معتقداً لهما مخلصاً لله عزوجل ، ثم مات في الحال أو لم يتمكن من العمل ، لكنه نطق بالشهادتين مع الإخلاص لله والتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد مندون الله فقد حرم دمه وماله ) .. وقال : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلاالله يبتغي بذلك وجه الله ) ، هذا لم يتمكن من العمل مع انه نطق بالشهادتين واعتقد معناهما وأخلص لله عز وجل، لكنه لم يبق أمامه فرصة للعمل حتى مات فهذا هو الذي يدخل الجنة بالشهادتين ، وعليه يحمل حديث البطاقة وغيره مما جاء بمعناه ، والذين يُخرجون من النار وهم لم يعملوا خيراً قط لأنهم لم يتمكنوا من العمل مع أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام، هذا هو الجمع بين الأحاديث." .المصدر : أسئلة في الإيمان والكفر : السؤال الثاني عشر .
.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (الفتح 5/105) : " وإنما القطعيات ما جاء عن الله ورسوله من الآيات المحكمات البينات ، والنصوص الواضحات ، فترد إليها المتشابهات ، وجميع كتب الله المنزلة متفقة على معنى واحد ، وإن ما فيها محكمات ومتشابهات ، فالراسخون في العلم يؤمنون بذلك كله ، ويردون المتشابهة إلى المحكم ، ويكلون ما أشكل عليهم فهمه إلى عالمه ، والذين في قلوبهم زيع يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فيضربون كتاب الله بعضه ببعض ، ويردون المحكم ، ويتمسكون بالمتشابه ابتغاء الفتنة ، ويحرفون المحكم عن مواضعه ، ويعتمدون على شبهات وخيالات لا حقيقة لها ، بل هي من وسواس الشيطان وخيالاته ، يقذفها في القلوب .
فأهل العلم وإلايمان يمتثلون في هذه الشبهات ما أمروا به من الإستعاذة بالله ، والانتهاء عما ألقاه الشيطان ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من علامات الإيمان .
وغيرهم فيصغون إلى تلك الشبهات ، ويعبرون عنها بألفاظ مشتبهات ، لا حرمة لها في نفسها ، وليس لها معنىً يصح ، فيجعلون تلك الألفاظ محكمة لا تقبل التأويل ، فيردون كلام الله ورسوله إليها ، ويعرضونه عليها ، ويحرفونه عن مواضعه لأجلها .اهـ
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمود لطفي عامر سلمه الله ورعاه
السلام عليك ورحمة الله وبركاته … وبعد :
فهذه بعض التنبيهات على كتابتكم المسماة ( سلفية لا جدلية ) وقد تعين على أخيكم إيرادها من باب المذاكرة والتناصح في الدين
قلتم رعاكم الله وأحسن إليكم :
(( وضعوا أعينكم على نص الحديث فهو الحجة وهو الحكم ثم فهم الصحابة هو المقدم على من دونهم، فهل عند من يكفر بتارك جنس العمل أثارة من علمٍ للصحابة قالوا بكفر من مات على التوحيد ولم يعمل خيراً قط؟! ))
أقول مستعينًا بالله :
النزاع يا فضيلة الشيخ في فهم هذه العبارة [ لم يعملوا خيرا قط ] فيجب أن تتنبه بأن مخالفك لا يُسلم لك بالمعنى الذي تبادر إلى ذهنك من هذه العبارة الثابتة قطعا في كتب السنة النبوية , فلو تأملت رعاك الله إسناد العمل المنفي إلى الخير لظهر لك خطأ الفهم القائم عند من استدل بها على نجاة تارك أعمال الجوارح بالكلية , والظاهر الصحيح لهذه العبارة [ لم يعملوا خيرا قط ] نفي عملهم للخير قط وليس نفي أعمال الجوارح بالكلية فتدبر .
فمخالفك يقول : يستحيل شرعا وعقلا وجود إيمان بلا عمل جوارح , وأما صلاحية هذا العمل الجارحي وقبوله فليس لنا الدخول فيه , لأنك تجزم بأن المؤمن العاقل لا يقطع بقبول أعماله عند الله تعالى ولكنه على رجاء وخوف , لذلك المدلول الصحيح لقوله [ لم يعملوا خيرا قط ] إذا سلمنا بأنها في أعمال الجوارح فالمنفي هو العمل المقبول لا جنس العمل الذي هو لازم لعمل القلب متى وجد .
ولك ان تتامل في أعمال كثير من أهل الإسلام فتجدهم مؤمنون في الجملة وقد يكون فيهم ريب وشعب من النفاق ولا يزال معهم إيمان ينجيهم من الخلود في النار , فهذا الإيمان يحملهم على العمل الجارحي ولكنه يكون عمل إما فاسد أو ناقص وهو واقع على الحقيقة ولك في الأثر عن حذيفة رضي الله عنه عندما قال لذاك الرجل الذي رآه لا يحسن الصلاة ( إنك ما صليت من أربعين عاما ) أو نحوه
فالرجل يصلي في الواقع ولكنه لم يصلي حقيقة أي إذا لم يُقبل العمل جاز نفيه , وعلى هذا المعنى يُحمل قوله [ لم يعملوا خيرا قط ]
ونحوه
فأرجو من فضيلة الشيخ تدبر ما تقدم والله الموفق للهدى والرشاد
والسلام عليك ورحمة الله
أبو طارق على النهدي
شرح حديث من يخرجون من النار ولم يعملوا حسنة قط .. لابن عثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد :-
سُئل الشيخ العلامة محمد بن عثيمين – رحمه الله – هذا السؤال :
قرأت في كتاب للشيخ الإمام الغزالي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الشفاعة فيمن أخرجهم الله من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم حين يقول الله تعالى فرغت شفاعة الملائكة والنبيين وبقيت شفاعتي فيخرج من النار أقواما لم يعملوا حسنة قط فيدخلون الجنة فيكون في أعناقهم سمات ويسمون عتقاء الله عز وجل فما مدى صحة هذا الحديث وما معناه ؟
فأجاب :
هذا الحديث متفق عليه بمعناه يعني أنه قد روى البخاري ومسلم معنى هذا الحديث إلا أن فيه كلمة منكره في هذا الصياغ الذي ذكره الأخ وهو قوله (فتبقى شفاعتي) فإن هذه اللفظة منكره واللفظ الذي ورد في الصحيحين ولم يبق إلا أرحم الراحمين وإنما كانت اللفظة التي ذكرها السائل منكرة لأن قوله وتبقى شفاعتي عند من يشفع فالله سبحانه وتعالى هو الذي يشفع إليه وليس يشفع إلي أحد سبحانه وتعالى (وأن إلى ربك المنتهى) ومعنى هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى يأذن للرسل والملائكة والنبيين وكذلك لصالح الخلق أن يشفعوا في إخراج من شاء من أهل النار فيخرج من أهل النار من شاء الله حتى إذا لم يبق أحد تبلغه شفاعة هؤلاء ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين أخرج الله سبحانه وتعالى بهذه الرحمة من شاء وجعل في رقابهم خواتم على أنهم عتقاء الله سبحانه وتعالى فيدخلون الجنة ومعنى قوله لم يعملوا حسنةً قط أنهم ما عملوا أعمالا صالحة لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيرا قط وإما أن يكون هذا الحديث مقيدا بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلا فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة وهو مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيرا قط وإما أن يكون هذا عاما ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة فإنه لابد أن يصلي الإنسان فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار .
والله الموفق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
المصدر : من برنامج نور على الدرب – موقع الشيخ
كيف تنحر إحدى أكبر شبهات مرجئة العصر >>>>> وتعلقهم بتفسير ابن رجب لحديث ( لم يعلموا خيراً قط )
——————————————————————————–
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ينقل المرجئة المعاصرون بعض الشبهة من أقوال أهل العلم تخالف ما هو منثور ومشهور عنهم ..
فيتعلقون بنقول مبتورة ويلبسون بها على الناس :
ومن أؤلئك العلماء تعلقوا بكلامه ولبّسوا بكلامٍ له في كتابه التخويف من النار ، وحسبوا أنهم قد أتوا بما لم يأتِ به الأوائل ..
حيث ينقلون كلاماً لابن رجب في شرح حديث ( لم يعملوا خيراً قط ) يقول فيه أن االمؤمنين الذين يخرجون من النار ولم يعلموا خيراً قط ، أن المنفي هنا هو عمل الجوارح ..
وهذا نص كلامه ِ :
[ .. و هذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم و الله أعلم .. ]
وقولهِ : [ و المراد بقوله : [ لم يعملوا خيرا قط ] من أعمال الجوارح و إن كان أصل التوحيد معهم ]
وأقول وبالله التوفيق :
ليس في كلام الإمام ابن رجب أي حجة لهؤلاء القوم وذلك من وجوه عدة :
1- أن الإمام ابن رجب ينقل الاجماع على كفر تارك الصلاة فكيف بتارك جنس العمل .
2- أن الامام ابن رجب ينقل الاجماع على كفر تارك جنس العمل أيضاً .
3- أن ابن رجب يرى أن من لم يكفر من ترك أركان الاسلام الخمسة فقط فقد وافق المرجئة ، فكيف بمن ترك جميع الواجبات الأخرى ,
4-أنه على فرض صحة هذا الكلام للامام ابن رجب ، فإن قوله هذا لا يغير من عقيدة أهل السنة والجماعة المبثوثة في كتبهم من أن الإيمان لايصح دون عمل بإجماع أهل السنة !
وعلى ذلك يُرد كلام ابن رجب مع حفظ كرامتهِ ، ويُنتصر لإجماع أهل السنة في هذه المسألة .
هذا لو سلمنا لهم جدلاً صحة ما ادّعوه ونسبوه لابن رجب ، ولكن ليس الأمر كذلك .
فكلام الإمام ابن رجب الآنف إنما يُفهم في ضوء فهم الحافظ ابن رجب لمسألة الشفاعة ككل ، وهذا إنما يتضح بجمع كلام ابن رجب في مسألة الشفاعة .
فهو ينص على أن هؤلاء الذين لم يعلموا خيراً قط ، قد كانوا في الدنيا قد عملوا أعمالاً صح به إيمانهم في الدنيا ، و لكنهم في الآخرة قد أخذ جميع حسنات تلك الأعمال الدائنون ،فصاروا كأنهم لم يعملوا خيراً قط .
فالدائنون لا يأخذون من تصديق القلب ولا من قول لسان خصومهم ، وإنما يأخذون حسنات أعمال جوارح من يختصمون معهم – هذا مُراد ابن رجب -.
حيث يقول – رحمه الله تعالى – [ … والإيمان القلبي وهو التصديق لا تقتسمه الغرماء بمظالمهم , بل يبقى على صاحبه , لأن الغرماء لو اقتسموا ذلك لخلد بعض أهل التوحيد وصار مسلوباً ما في قلبه من التصديق وما قاله بلسانه من الشهادة ، وإنما يخرج عصاة الموحدين من النار بهذين الشيئين فدل على بقائهما – أي قول القلب واللسان – على جميع من دخل النار منهم وأن الغرماء إنما يقتسمون الإيمان العملي بالجوارح ] .اهـ
فيكون كلام ابن رجب هو عن الحكم الآخروي بعد أن يقتسم الغرماء حسناتهم أعمال جوارحهم ، ولا يُفهم من كلامهِ أبداً أنه يتحدث أنهم لم يعملوا أعمالاً بجوارحهم صحّ بها إيمانهم في الحياة الدنيا .
.
.
ولمزيد فائدة يُرجع لزماً لكتاب الشيخ آل خضير
[ الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل ، وكشف شبهات المعاصرين ]
والذي قدّم له مجموعة من أهل العلم على رأسهم شيخ الحنابلة في عصرنا العلامة الفقيه
( -الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل – حفظه الله تعالى ) .
الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص
الشيخ أسامة عطايا العتيبي
هل تصح هذه المقولة : (أن من قال : الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء كله حتى لو قال : لا كفر إلا باعتقاد وجحود) ؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه المقولة منقولة عن الإمام أحمد والإمام البربهاري وهي محمولة على مرجئة زمانهم الذين كانوا متفقين على أن العمل ليس من الإيمان، وأنه لا يزيد ولا ينقص، ولم يوجد في عهدهم من يقول بأن العمل من الإيمان وفي الوقت نفسه يقول بأنه لا كفر إلا بالجحود القلبي فقط.
فكلماتهم تعالج واقعاً عرفوه وعايشوه..
وهي تعالج الواقع الأغلبي دون شواذ من انحرف في المعتقد ممن لا يعرف له أتباع.
فقد وجد في عهدهم من قال الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص ومع ذلك اتهموه بالإرجاء لأنه يقول إن قول اللسان داخل في عمل الجوارح فوجُودُهُ مع إيمانِ القلب كافٍ في الإيمان.
وذلك الشخص المتهم بالإرجاء هو شبابة بن سوار فقد اتهم بالإرجاء مع قوله بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص إلا أنه خالف في ماهية العمل الذي يثبت به الإيمان.
ولم يعرف عن شبابة بن سوار أنه أخرج العمل عن مسمى الإيمان لكنه لما جعل قول اللسان مع الاعتقاد كافياً في بقاء الإيمان وثبوته رماه الإمام أحمد بالإرجاء بل جعله من أخبث أقوال المرجئة لما فيه من الإيهام والتلبيس.
فن قال إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص وهو مع ذلك يقول إنه لا كفر إلا بالجحود القلبي الذي هو الجهل بالله، أو أن العمل الظاهر لا يكون كفراً حتى نعلم يقيناً أنه كفر بقلبه ولا نحكم بمجرد الظاهر بعد توفر ضوابط التكفير فقد قال بقول غلاة المرجئة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
فتاوى أسامة عطايا العتيبي
ما حكم من ترك جميع العمل الظاهر بالكلية وهو يقر بالشهادتين
الشيخ أسامة عطايا العتيبي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد اتفق السلف الصالح على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وأن دخول الشخص في الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين بشروطها المعروفة()، وأن من دخل في الإسلام ثم استمر على ترك القول، أو ترك عمل الجوارح، أو ترك عمل القلب أنه كافر زنديق، لا يبقى عنده ذرة من إيمان، ولا حظٌّ من إسلام.
وأدلة هذا الأصل كثيرة جداً منها :
قال الإمام الآجري في كتاب الشريعة: «اعلموا رحمنا الله وإياكم يا أهل القرآن، ويا أهل العلم بالسنن والآثار، ويا معشر من فقههم الله تعالى في الدين، بعلم الحلال والحرام أنكم إن تدبرتم القرآن، كما أمركم الله تعالى؛ علمتم أن الله تعالى أوجب على المؤمنين بعد إيمانهم به وبرسوله: العملَ، وأنه تعالى لم يثن على المؤمنين بأنه قد رضي عنهم، وأنهم قد رضوا عنه، وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة، والنجاة من النار، إلا بالإيمان والعمل الصالح.
وقرن مع الإيمان العمل الصالح، لم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده، حتى ضم إليه العمل الصالح، الذي وفقهم له، فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدقاً بقلبه، وناطقاً بلسانه، وعاملاً بجوارحه، لا يخفى على من تدبر القرآن وتصفحه ، وجده كما ذكرت.
واعلموا -رحمنا الله تعالى وإياكم- أني قد تصفحتُ القرآن فوجدت فيه ما ذكرته في شبيهٍ من خمسين موضعاً من كتاب الله عز وجل: أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم، وبما وفقهم له من الإيمان والعمل الصالح.
وهذا رد على من قال: الإيمان: المعرفة، ورد على من قال: المعرفة والقول، وإن لم يعمل نعوذ بالله من قائل هذا.
فإن قال قائلٌ: فاذكر هذا الذي بينته من كتاب الله تعالى، ليستغنى غيرك عن التصفح للقرآن.
قيل له: نعم، والله تعالى الموفق لذلك، والمعين عليه.
قال الله تبارك وتعالى في سورة البقرة: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{25}.
وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:277].
وقال تبارك وتعالى في سورة آل عمران: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ {56} وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{57}..-إلى أن قال:- كل هذا يدل العاقل على أن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال، كذا قال الحسن وغيره»().
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَيْسَ بِمُؤْمِنِ وَقَدْ ضَلَّ مَنْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا.
وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ بِقَلْبِهِ عِلْمٌ وَتَصْدِيقٌ وَهُوَ يَجْحَدُ الرَّسُولَ وَيُعَادِيهِ كَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ كُفَّارًا لَمْ يُسَمِّهِمْ مُؤْمِنِينَ قَطُّ وَلَا دَخَلُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ.
بِخِلَافِ الْمُنَافِقِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي أَحْكَامِ الْإِيمَانِ الظَّاهِرَةِ فِي الدُّنْيَا؛ بَلْ قَدْ نَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَمَّنْ قَالَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ إذَا لَمْ يَعْمَلْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:14-15] فَنَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ سِوَى هَؤُلَاءِ .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }[النور:47].
و«التَّوَلِّي» هُوَ التَّوَلِّي عَنِ الطَّاعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سَتُدْعَوْنَ إلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفتح:16].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى{31} وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{32}[القيامة]، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا يَصْلَاهَا إلَّا الْأَشْقَى{15} الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى{16}[الليل].
وَكَذَلِكَ قَالَ مُوسَى وَهَارُونُ : {إنَّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[طه:48] .
فَعُلِمَ أَنَّ «التَّوَلِّيَ» لَيْسَ هُوَ التَّكْذِيبَ، بَلْ هُوَ التَّوَلِّي عَنِ الطَّاعَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوا الرَّسُولَ فِيمَا أَخْبَرَ وَيُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَ.
وَضِدُّ التَّصْدِيقِ التَّكْذِيبُ وَضِدُّ الطَّاعَةِ التَّوَلِّي فَلِهَذَا قَالَ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى{31}وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{32}، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47]، فَنَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنِ الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَى بِالْقَوْلِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}[النور:62]، وَقَالَ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال:2].
فَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَفْيِ الْإِيمَانِ عَمَّنْ لَمْ يَأْتِ بِالْعَمَلِ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ كَمَا نَفَى فِيهَا الإِيمَانَ عَنِ الْمُنَافِقِ»().
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: «فلابد في شهادة: ألا إله إلا الله، من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان؛ فإن اختل نوع من هذه الأنواع، لم يكن الرجل مسلما ً؛ فإذا كان الرجل مسلماً، وعاملاً بالأركان، ثم حدث منه قول، أو فعل، أو اعتقاد، يناقض ذلك، لم ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ وأدلة ذلك في الكتاب والسنة، وكلام أئمة الإسلام، أكثر من أن تحصر»().
وقال رحمه الله: «اعلم رحمك الله: أن دين الله يكون على القلب بالاعتقاد، وبالحب والبغض، ويكون على اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام، وترك الأفعال التي تكفر؛ فإذا اختل واحدة من هذه الثلاث، كفر وارتد»().
وقال رحمه الله في كشف الشبهات: «لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً».
ولأجل هذا الكلام الصريح من شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في تكفير تارك عمل الجوارح، وأن من ترك عمل الجوارح لم يأت بالشهادتين اتهمه بعض خصوم الدعوة بأنه يجعل الأعمال شرطاً للدخول في الإسلام فرد عليه الشيخ العلامة عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن: «أما جعله شيخنا -رحمه الله- ممن يشترط الشرائع الإسلامية في الدخول فيه فهذا باطل، إنما تُشْتَرطُ المباني ونحوها في صحة الإسلام، لا في الدخول فِيهِ»().
فهذا صريح بأن أعمال الجوارح لابد منها لصحة الإسلام لمن دخل فيه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
الرد على شبهة لمرجئة العصر :
اختلاف السلف في تكفير تارك الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
أما بعد فاعلم رحمك الله أن لمرجئة هذا العصر شبها كثيرة يستدلون بها لتصحيح مذهبهم القائل بصحة الإيمان بدون عمل، ومن تلك الشبه استدلالهم بالخلاف الدائر بين أهل السنة في مسألة تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، فهم يقولون :
"إن مذهب العديد من علماء السلف هو عدم تكفير تارك الصلاة وباقي المباني، وبما أنهم لا يكفرونه بذلك فلا يمكن لهم أن يكفروه بما دون ذلك ولو ترك جميع الأعمال بالكلية، فإذن أصبحت المسألة خلافية بين أهل السنة ولا يجوز الإنكار ولا التبديع ."
والرد على هذه الشبهة هو أن يقال لهم : هذا جهل وتخليط –كما قال الشيخ الفوزان[1]-وعدم فهم لمذهب السلف، فهم رحمهم الله وإن اختلفوا في تكفير تارك الصلاة إلا أنهم -رحمهم الله- مجمعون على أن العمل لا بد منه لصحة الإيمان وأن الإيمان بدون عمل لا يصح ومن ترك العمل بالكلية فهو كافر ولذلك قالوا: "الإيمان قول وعمل" بل قال البخاري -رحمه الله-: " لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم –ثم ذكر بعضهم ثم قال:- فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء : إن الدين قول وعمل "[2].اهـ
وقال الشافعي -رحمه الله- :"وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر"[3] اهـ
وقال الإمام أبو عبد الله بن بطة – رحمه الله – بعد أن ذكر الآيات الدالة على أن العمل من الإيمان – : "فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل, وأن من صدَّق بالقول وترك العمل كان مكذِّباً وخارجاً من الإيمان وأن الله لا يقبل قولاً إلا بعمل ولا عملاً إلا بقول"[4]اهـ
وقال الإمام أحمد -رحمه الله- : "الإيمان لا يكون إلا بعمل"[5]اهـ
وقال ابن تيمية -رحمه الله- : "فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله ديناً ومن لا دين له فهو كافر"[6]اهـ
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-: "لا خلاف بين الأمة أن التوحيد : لا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم , واللسان الذي هو القول , والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي ؛ فإن أخلَّ بشيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً"[7]اهـ
ثم هذه بعض ردود علمائنا المعاصرين على هذه الشبهة :
قيل للشيخ ابن باز -رحمه الله- :
"من لم يكفر تارك الصلاة من السلف ، أيكون العمل عنده شرط كمال ؟ أم شرط صحة ؟
فقال : لا ، بل العمل عند الجميع شرط صحة، إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه ؛ فقالت جماعة : إنه الصـلاة ، وعليـه إجماع الصحابـة رضـي الله عنهم ، كما حكاه عبد الله بن شقيق. وقال آخرون بغيرها.
إلا أن جنس العمل لابد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً. لهذا الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد ، لا يصح إلا بها مجتمعة."[8]اهـ
وقال الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- :
"ثم أهل السنة اختلفوا هل الصلاة مثل غيرها؟ أم أن الصلاة أمرها يختلف، وهي المسألة المعروفة بتكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، هذه اختلف فيها أهل السنة كما هو معروف، واختلافهم فيها ليس اختلافاً في اشتراط العمل.
فمن قال يكفر بترك الصلاة تهاوناً وكسلاً يقول: العمل الذي يجب هنا هو الصلاة؛ لأنه إن ترك الصلاة فإنه لا إيمان له.
والآخرون من أهل السنة الذين يقولون لا يكفر تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً يقولون لابد من جنس عمل، لابد من أن يأتي بالزكاة ممتثلاً، بالصيام ممتثلاً، بالحج ممتثلاً، يعني واحد منها، أن يأتي طاعة من الطاعات ممتثلاً حتى يكون عنده بعض العمل، أصل العمل ، لأنه لا يسمى إيمان حتى يكون ثم عمل.
لأن حقيقة الإيمان راجعة إلى هذه الثلاثة النصوص القول والعمل والاعتقاد، فمن قال إن حقيقة الإيمان يخرج مها العمل فإنه ترك دلالة النصوص.
فإذن الفرق بيننا وبينهم حقيقي وليس شكلياً أو صورياً.
هل هذا في الواقع مطبّق متصور أم غير متصور؟ هنا هو الذي يشكل على بعض الناس، يرى أنه لا يتصور أن يكون مؤمناً يقول كلمة التوحيد ويعتقد الاعتقاد الحق ولا يعمل خيرا قط يعني لا يأتي بطاعة امتثالاً لأمر الله ولا ينتهي عن محرم امتثالاً لأمر الله، يقولون أن هذا غير متصور، ولما كان أنه غير متصور في الواقع عندهم جعلوه ثمرة، صار الخلاف شكلي كما ظنوه، لكن هذا ليس بصحيح لأننا ننظر إليها لا من جهة الواقع ، ننظر إليها من جهة دلالة النصوص فالنصوص دلت على أن العمل أحد أركان الإيمان، فإذا كانت دلت على ذلك فوجب جعله ركنا فمن خالف فيه فيكون مخالفاً خلافاً أصلياً وليس صورياً ولا شكلياً : خلافاً جوهرياً.
هل يتمثل هذا في الواقع أو لا يتمثل؟ هذه المسألة الله جل وعلا هو الذي يتولى عباده فيها، لأن العباد قد يفوتهم أشياء من حيث معرفة جميع الخلق وأعمال الناس وما أتوه وما تركوه، والله أعلم."[9]اهـ
إذا تبين هذا وعُلم بطلان هذه الشبهة فإن المحذرين من القائلين بهذا القول :-"صحة الإيمان بدون عمل أو عدم تكفير تارك الأعمال بالكلية قول ثان للسلف"- لهم الحق في ذلك، وكيف لا يحذرون منهم وهم يقولون بقول المرجئة وينسبون ذلك للسلف الصالح -رضوان الله عليهم- ويجعلون المسألة من المسائل الخلافية بينهم، والصحيح أنها خلافية فعلاً ولكن بين أهل السنة وأهل البدع المرجئة.
قال الشيخ الغديان -حفظه الله- إجابة على سؤال عرض عليه :
"السائل : ظهر في هذه الأيام كتاب في شبكة الإنترنت بعنوان ( دلائل البرهان ) ، يُقرّرُ فيه كاتبه أن تارك أعمال الجوارح مسألة خلافية بين أهل السنة فلا يجوز الإنكار والتبديع فما قولكم ؟
الشيخ : هذا في الواقع هو قول المرجئة ، هذا قول المرجئة الذين يجعلون الأعمال مُكملة وليست شرطاً في صحة الإيمان، يعني يقولون : إذا آمن الإنسان بقلبه، ما صلى، ولا صام، ولا اعتمر، ولا حج، وفعل المحرمات هذا مؤمن تماماً، وهذا ما هو صحيح . "[10]اهـ
وسئل الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-
"السائل : يقول فضيلة الشيخ وفقكم الله هناك من يقول : إن تارك " جنس العمل " بالكلية لا يكفر ، وإن هذا القول قول ثان للسلف لا يستحق الإنكار ولا التبديع ؛ فما صحة هذه المقولة؟
الشيخ : هذا كذاب ، اللي يقول هذا الكلام كذاب ، كذب على السلف ، السلف ما قالوا إن الذي يترك جنس العمل و لا يعمل شيء أنه يكون مؤمناً ، من ترك العمل نهائياً من غير عذر، لا يصلي و لايصوم ولا يعمل أي شيء و يقول أنا مؤمن هذا كذاب ، أما اللي يترك العمل لعذر شرعي ، ما تمكن من العمل ، نطق بالشهادتين بصدق و مات أو قتل في الحال فهذا ما في شك أنه مؤمن لأنه ما تمكن من العمل ، ما تركه رغبة عنه ، أما اللي يتمكن من العمل و يتركه لا يصلي و لا يصوم و لا يزكي و لا يتجنب المحرمات و لا يتجنب الفواحش هذا ليس بمؤمن و لا أحد يقول إنه مؤمن إلا المرجئة ، نعم ."[11]اهـ
وسأل حفظه الله أيضاً :
"انتشر عندنا في بلادنا من يقول: " إن تارك أعمال الجوارح مسألة خلافية بين أهل السنة والجماعة " فهل هذا القول صحيح ؟
الشيخ : كذّاب هذا ، ما في خلاف بين أهل السنة والجماعة أن الأعمال من الإيمان أنها من الإيمان ، ولا يصح إيمان بدون عمل ، كما لا يصح عمل بدون إيمان ، فهما متلازمان ، متلازمان ، هذا هو قول أهل السنة والجماعة ، هذا قول أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ولو قدر أن في خلاف من بعض أهل السنة ، فإن العبرة بالذي قام عليه الدليل وعليه الأكثر ، عليه أكثر أهل السنة ، ويعتبر هذا قولاً شاذًا مخالفاً لا يحتج به ، نعم ."[12]اهـ
وفي الختام أرجو من الله أني قد وفقت في كشف هذه الشبهة
والحمد لله رب العالمين.
تنبيه : جاء في كلام الشيخ ابن باز-رحمه الله- والشيخ الغديان –حفظه الله- استعمال لفظ :"شرط صحة" وهما لا يريدان به شرط الأصوليين الذي يكون خارج الماهية وإنما أرادا به الشرط اللغوي.-
[1]أنظر فتوى رقم8741 بعنوان : معنى أن العمل من الإيمان في موقع الشيخ حفظه الله
[2] أنظر الشريعة للآجري
[3] أنظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي
[4]أنظر الإبانة لابن بطة
[5]أنظر السنة للخلال
[6] أنظر شرح العمدة
[7]أنظر الدرر السنية
[8] نقلاً عن جريدة الجزيرة – عدد 12506في 13/7/1423هـ
[9]أنظر شريط بعنوان : الإيمان
[10]أنظر قسم الردود الصوتية في موقع نقض الإرجاء
[11]أنظر قسم الردود الصوتية في موقع نقض الإرجاء
[12]أنظر قسم الردود الصوتية في موقع نقض الإرجاء
العلامة العثيمين – ومن أراد أن يكون قوله هو المرجع عند الخلاف فقد دعا لنفسه أن يكون بمنزلة الرسول
——————————————————————————–
وصار الخلاف في الرأي يؤدي لاختلاف وتنافر القلوب
والعداوة والبغضاء والسب واللمز
وهذا والله فرحة الأعداء
وهذا تفتت الدعوة الإسلامية
ومن أراد أن يكون قوله هو المرجع عند الخلاف فقد دعا لنفسه أن يكون بمنزلة الرسول
صلى الله عليه وسلم
العلامة ابن عثيمين
– رحمه الله –
* * *
فإن قال قائل ما موقفنا مما يقع من الخلاف بين العلماء في بعض الأحكام الشرعية؟
العلماء لم يتفقوا على شيء إلا ما عُلم بالضرورة من دين الإسلام، فكيف نفعل في هذا الخلاف؟
فالجواب بيّنه الله – عز وجل- بقوله ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله )) .. المرجع إلى الله .
وقال تعالى ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً))..
ولو سلكنا هذا الطريق لم يبق بيننا خلاف.. وأقصد لم يبق بيننا خلاف في القلوب ، أما في الآراء فقد يقع.. لأن الخلاف وقع حتى بين الصحابة – رضي الله عنهم-، لكن القلوب لم تختلف.
والذي ضر الناس اليوم في هذه اليقظة الدينية أنهم اتبعوا أهواءهم .. أعني فريقاً منهم اتبع هواه.. وصار الخلاف في الرأي يؤدي إلى اختلاف القلوب.. وتنافر القلوب .. والعداوة والبغضاء..و السب واللمز.. وهذا – والله- فرحة الأعداء.. وهذا تَفتت الدعوة الإسلامية..
فالواجب ألا تختلف القلوب..ولو اختلفت الآراء..
ومن أراد أن يكون قوله هو المرجع عند الخلاف فقد دعا بنفسه أن يكون بمنزلة الرسول!!
وإذا أراد هذا؛ أراد مُخالفه أن يكون المرجع إلى قوله أيضاً..إذ لا أحد منهما معصوم.. ولا يمكن أن نجبر الناس على أن يأخذوا بأقوالنا .. بل يلزمنا أن نأخذ بما دل عليه الكتاب والسنة.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
محاضرة في مركز الجمعية الإسلامية في بوسطن – أمريكا
عن الوحدة الإسلامية
ليلةالخميس 2 جمادى الأولى 1421 هـ
2 أغسطس 2000 م
…………………
حمل المقطع من هنــــــــــا
http://mareb.g/showthread.php?t=405
– قال الحافظ في الفتح 1 / 46 :قوله : ( وهو ) أي الإيمان ( قول وفعل يزيد وينقص ) … والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته ، والسلف جعلوها شرطًا في كماله.
قال الشيخ البراك: قوله: "والفارق بينهم وبين السلف …. الخ": هذا الفرق بين المعتزلة والسلف لا يستقيم سواء أريد بشرط الصحة أو شرط الكمال: جنس العمل ، أو أنواع العمل الواجبة ، أو الواجبة والمستحبة ؛ فإن الأعمال المستحبة من كمال الإيمان المستحب، فلا تكون شرطاً لصحة الإيمان، ولا لكماله الواجب.
وأما الأعمال الواجبة: فليس منها شرط لصحة الإيمان عند جميع أهل السنة، بل بعضها شرط لصحة الإيمان عند بعض أهل السنة كالصلاة.
وأما عند المعتزلة: فالمشهور من مذهبهم ومذهب الخوارج أن ما كان تركه كبيرة فهو شرط لصحة الإيمان، وعلى هذا فلا يصح أن يقال: إن جنس العمل عندهم شرط لصحة الإيمان؛ لأن ذلك يقتضي أن الموجب للخروج عن الإيمان عندهم هو ترك جميع الأعمال، وليس كذلك، بل يثبت عندهم الخروج عن الإيمان بارتكاب ما هو كبيرة.
وأما عند السلف: فعمل الجوارح تابع لعمل القلب، وجنس عمل القلب شرط لصحة الإيمان، وجنس عمل الجوارح تابع أو لازم لعمل القلب، فيلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم ؛ فإن الإعراض عن جميع الأعمال دليل على عدم انقياد القلب.
هذا، ولا أعلم أحدا من أئمة السلف أطلق القول بأن الأعمال شرط أو ليست شرطا لصحة الإيمان أو كماله ، وإنما المأثور المشهور عنهم قولهم: "الإيمان قول وعمل" أو "قول وعمل ونية" ؛ يقصدون بذلك الرد على المرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، وخصوا الإيمان بالتصديق، أو التصديق والإقرار باللسان.
وبهذا يتبين أن ما ذكره الحافظ بإطلاق القول بأن الأعمال شرط لصحة الإيمان عند المعتزلة، وشرط لكماله عند السلف ليس بمستقيم لما تقدم.
من كتاب تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري
رابط التحميل
http://www.almeshkat.net/books/archive/books/albrak.zip
__________________
أقسام الناس في التعامل مع زلة الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في بعض مسائل الإيمان
——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
اختلف الناس حول بعض كلام الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- كقوله: أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان ، وقوله: لا كفر إلا باعتقاد، فانقسموا إلى أقسام.
* قسم ظن أن هذا هو الحق فنصر تلك الأقوال ودان الله بها، فهؤلاء لا شك في غلطهم وانحرافهم، ونذكرهم بقول ابن القيم في إعلام الموقعين :"العالِم يزِلُّ و لا بُدَّ، إذ لَيسَ بمعصومٍ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله، و يُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض، و حرَّموه، و ذمُّوا أهلَه"اهـ
* قسم عرفوا أن هذه الأقوال باطلة ومخالفة لإجماع أهل السنة والجماعة، وهم على ثلاثة أقسام:
1- الأول: اتخذوا أقوال الشيخ -رحمه الله- ذريعة للطعن فيه واسقاط هيبته ومكانته وجهوده العلمية التي انتفع بها الناس في شتى أنحاء الأرض، وهؤلاء لاشك في انحرافهم وضلالهم أيضاً ، ونذكرهم بالقول المشهور عن ابن عساكر-رحمه الله- : " إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، بلاه الله قبل موته بموت القلب"اهـ.
2- الثاني: حفظوا للشيخ -رحمه الله- مكانته ثم حاولوا الإعراض عن تلك الأقوال وإبراز نقول أخرى فيها تقريرات موافقة لمذهب أهل السنة والجماعة وجعلها قول الشيخ الوحيد في المسألة، وفي بعض الأحيان يحاولون حمل بعضها على بعض والتوفيق بينها، وهذا المسلك منهم ليس بصحيح بل الصحيح هو ما عليه القسم الثالث.
3- الثالث: قالوا: هذه زلة من الشيخ ومخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة تغتفر له و لا ينبغي أن تتخذ ذريعة للطعن فيه.
فيتضح لك أخي الكريم أن أحق الناس بالصواب هم القسم الثالث، لأنهم حفظوا مكانة الشيخ وفضله وعلمه وخدمته للسنة، فدافعوا عنه ثم حذروا من خطأه حتى لا يتبعه عليه الخلق، فهم أبرُّ الناس به رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
وهذا المسلك هو الذي سلكه علمائنا الأكابر وهذه بعض النقول عنهم توضح لك ذلك :
الشيخ ربيع بن هادي المدخلي:
السؤال: هل قول الألباني إن العمل شرط كمال وليس شرط صحة يجعله مرجئا؟
الجواب: ما نقدر أن نقول إنه مرجئ بهذا الكلام، هذا الكلام يُؤخذ على الشيخ ولا نقبله نقول: إن العمل جزء من الإيمان لا شرطاً فيه، وهذا قاله الحافظ ابن حجر وقاله غيره وأرجو أن يراجع الشيخ في هذا ويبين له.
وبعدها يا إخوة ليس كل من وقع في شيء من البدع يسمى مبتدعا ليس كل من وقع في بدعة نسميه مبتدعا هذا مذهب الحدادية فقط، إن قاعدتهم في البدعة لا فرق بين ابن عربي وبين من يقول العمل شرط كمال! لا فرق بين الرافضي وبين من يقول هذا الكلام! فإن القاعدة في البدعة عندهم واحدة لا فرق بين ابن حجر وبين سيد قطب لا فرق بين الخميني وبين ابن حجر عندهم عرفتم.
[مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله ص 209 من المطبوع]
الشيخ صالح الفوزان:
السؤال : هنالك بعض الدعاة يرمون الشيخ الألباني -رحمه الله- بالإرجاء ، فهل هذا صحيح ثابت عن الشيخ ؟
الشيخ : الشيخ الألباني رحمه الله كغيره ؛ يخطيء ويصيب، يُخطيء ويُصيب، فإذا أخطأ في مسألة فلا نحكم عليه بأنه مرجيء أو أنه … ؛ بل نقول إنه أخطأ في هذه المسألةِ، نقول أخطأ في هذه المسألة والعصمة لكتاب الله ، فكل يُخطيء ويُصيب .
[حمل بالضغط هنا]
الشيخ أحمد بن يحي النجمي:
السؤال: من المعلوم أن الشيخ ابن باز خطأ الحافظ ابن حجر لما نسب القول بأن العمل شرط كمال في الإيمان للسلف وقال الشيخ ابن باز أنه قول المرجئة, شيخ وبقول الحافظ قال الشيخ الألباني رحمه الله في رسالته حكم تارك الصلاة وبقول الحافظ أن العمل شرط كمال في الإيمان ،يعني بعض الناس عندنا يا شيخ يقولون الشيخ الألباني رحمه الله لم يخطئ وتخطئته يعني أنه مرجئ يا شيخ ، هل الشيخ الألباني أخطأ؟
الجواب: الشيخ الألباني إن كان قال هذا فهي هفوة من عالم وتغتفر له ولعله رجع والقول بأن الشيخ الألباني مرجئ هذا خطأ فاحش لايجوز، نعم، في أمان الله.
[مكالمة هاتفية]
الشيخ عبد الله الغديان:
السؤال : ذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في أحد أشرطته أن السلف فرقوا بين الإيمان و العمل و جعلوا العمل شرط كمال فهل صحيح يا شيخ ؟ .
الجواب : لا ، هذا كل نفس مذهب المرجئة هذا الذين يقولون شرط كمال هذا مذهب المرجئة .
السؤال : بارك الله فيك ، يعني الشيخ الألباني أخطأ ؟ .
الجواب : ما علي أنا من أحد ، أقول لك ما علي من أحد من الأشخاص ، أنا أتكلم عن الموضوع أما الأشخاص ما علي منهم ما الذي صدر منهم .
السؤال : بارك الله فيك يا شيخ.
[مكالمة هاتفية]
الشيخ عبد العزيز الراجحي:
السؤال: يقول هذا السائل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله له رسالة صغيرة أن الأعمال الصالحات كلها شرط كمال في الإيمان عند أهل السنة فهل كلامه صحيح أفتونا مأجورين ؟
الجواب: ليْسَ بصَحيح ْ ، وَ الصَّواب ُ عَنْدَ أَهْلِ السُّنة ِ والجَمَاعة ِ أَنْ الأَعمالَ جُزء ٌ منَ الإِيمان ِ، وليْسَت ْ شَرْطا ً، فالشَّرْطُ خَارِج ُ المَشْرُوط ،كالوضوء ِ شرط ٌ لصحة ِ الصَّلاة ِ وَهوَ خارِجٌ عن ِ الصَّلاة ِ، وَاَهْل ُالسُّنة ِ يَقُولُون َ أَنْ الإيمان َ قول ٌ باللسان ِ، وتصديق ٌ بالقلب ِ، وعمل ٌ بالقلبِ وعمل ٌبالجوارح ِ، يقولون عمل ٌ وقولٌ ونية ٌ، يزيدُ بالطاعة ِ ويزيد ُ بالمعصية ِ، وليس َ شرطا ً، فالشَّرطُ خارجٌ عن ِ المشروط ِ ، نعم ! .
[درس تفسير ابن كثير سورة النساءربيع الأول1427 هـ]
ـــــــــ
السؤال: هذا سائل يسأل، ويقول: فضيلة الشيخ، كما تعلمون علم وفضل الشيخ العلامة المحدِّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وأنه يعتبر ممن جدَّد علم الحديث، ونشر السنَّة، وكان شوكة في حلوق أهل البدع، ولكنه -رحمه الله- أخطأ وغلط في مسألة الإيمان، حيث وافق المرجئة حينما قال: إن العمل شرط كمال، وليس ركنًا وجزءًا من أجزاء الإيمان، فهل من قال هذا الكلام صحيح؟ وهل يُتابع الشيخ، ويقال: إنه حجتي عند الله؟ فإن طلاب الشيخ إذا ناقشناهم قالوا هذا الكلام ، وزعموا أن الشيخ أعرف بمذهب السلف ؟
الجواب: نعم، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني محدِّث -رحمه الله-، وله اليد الطولى في الحديث، وخدم السُّنَّة خدمة عظيمة، نسأل الله أن يغفر له ويرحمه، لكنه ليس بمعصوم، فإذا كان قال: إن العمل خارج من مسمَّى الإيمان فقد وافق أبا حنيفة وأصحابه، وأبو حنيفة إمام من الأئمة، وسبق أن الخلاف بينه وبين أهل السنة خلاف لفظي، لا يترتب عليه فساد في العقيدة، لكنه له آثار تترتب عليه، إنما الخلاف الذي يترتب عليه الفساد في العقيدة خلاف الجهمية المرجئة المحضة، أما مرجئة الفقهاء فإنهم طائفة -وإن كانوا من أهل السنة وإن كانوا خالفوا في هذه المسألة- إلا أنهم من أهل العلم والدين -كما قال المؤلف أبو عبيد رحمه الله- لكنهم غلطوا وأخطئوا، وقال إن المرجئة -في الفصل الأخير الباب الأخير الذي قرأناه- قال: إنهم أخطئوا وغلطوا في أمر يكون فيه اشتباه، لكن المصيبة مذهب الجهمية
فالمقصود أن الشيخ الألباني وكذلك غيره، ومن هو أكبر منه – أبو حنيفة – غلط في هذا، ومن غلط يُترحم عليه، ويدعى له بالمغفرة، ولا يتبع في الغلط، وكل إمام من الأئمة يقول: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وقال: إذا قلت قولًا يخالف قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخذوا بقول رسول الله، واضربوا بقولي عرض الحائط. قال هذا أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك كلهم يغلطون، وكلهم يخطئون، ما في أحد ما يخطئ، فإذا غلط الإمام أو، غلط العالم أو الكبير، فإنه يُترحم عليه، ويُدعى له، ويلتمس له العذر، والخطأ مردود عليه، لا يتبع في الخطأ، وإنما يتبع القول الصواب، والقول الصحيح الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والحق أحق أن يتبع، ويجب على طلابه -إذا كان الشيخ قال هذا الكلام- يجب على طلابه ألا يتبعوه في هذا، وأن يقبلوا الحق.
والسلف والأئمة والعلماء يرجعون عن القول: فهذا عمر بن الخطاب الخليفة الراشد -رضي الله عنه- جاءه الإخوة الأشقاء في المسألة المشرَّكة -زوج وأمٌّ وإخوة لأم وإخوة أشقاء- فقسم الميراث على ما في كتاب الله، وأعطي الزوج النصف، والأم السدس والباقي للإخوة لأم، ولم يعط الإخوة الأشقاء شيئًا، ثم حدثت هذه المسألة بعد مدة -بعد سنتين- فجاءوا، فأشرك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، إنك
قضيت فيها فيما مضى، ولم تشرك الإخوة. قال: ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي. تبيَّن له.
والإمام أحمد -رحمه الله- يكون له في مسألة سبع روايات، يتبيَّن له الحق فيقول بهذا القول، والإمام الشافعي -رحمه الله- له قولان: قول جديد وقول قديم: قول قديم في العراق والقول الجديد في مصر وما يزال العلماء يرجعون عن الخطأ، وعن القول الذي يتبيَّن لهم أنه خطأ في الفروع وفي الأصول.
وليس هناك أحد معصوم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو معصوم فيما يبلغ عن الله، ومعصوم عن الشرك، ومعصوم من الكبائر، أما غيره فليس معصومًا، ليس هناك أحد معصوم، لا الشيخ ناصر الدين الألباني ولا من هو أكبر منه.
الصحابة أيضًا يرد بعضهم على بعض، وقد يغلطون في بعض المسائل. فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيدة نساء أهل الجنة، غلطت، جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقالت: أعطني ميراثي من النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقال لها: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة وروى هذا الحديث عدد من الصحابة ولكنها لم تقتنع -رضي الله عنها- وولت، هجرت أبا بكر حتى توفيت بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بستة أشهر، غلطت، والصواب مع أبي بكر، وليست معصومة، وهي سيدة نساء أهل الجنة.
عائشة -رضي الله- عنها جاء لما حصلت الفرقة على علي -رضي الله- عنه، والخلاف بينه وبين معاوية جاءت أيضًا عائشة -رضي الله عنها- ومعها طلحة والزبير تطالب بدم عثمان وخطب ابن عباس الناس، وقال: إنها أمكم، أم المؤمنين، وهي زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، وإن الله ابتلاكم. بها غلطت وأخطأت، والحقُّ مع علي رضي الله عنه.
ما في أحد ما يغلط ولا يخطئ، فإذا غلط الشيخ ناصر الدين الألباني في هذه المسألة، أو غلط من هو أكبر منه، فالحجة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما أجمع عليه الصحابة والتابعون والأئمة.
هذا أيضًا عن طريق الإنترنت، يقول: هل يسع طلبة الشيخ الألباني تقليده في هذه المسألة؟
سبق أنا قلت في السؤال السابق: إنه يجب على طلبته، وغير طلبته، أن يأخذوا بالحق، ويتركوا ما لم يقم عليه الدليل، سواء كان قال به الشيخ الألباني أو قال به من هو أكبر منه رحمه الله، الواجب على طلبته وغير طلبته اتباع الدليل، اتباع ما دل عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكل واحد من الأئمة يقول: خذوا بالدليل واتركوا قولي، إذا خالف قولي الدليل فخذوا بالدليل، قال بهذا أكبر من الشيخ الألباني قال بهذا الإمام أحمد والشافعي وأبو حنيفة ومالك.
[شرح كتاب الإيمان للقاسم ابن سلام]
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ :
السائل: يا شيخ ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في أحد دروسه أن السلف فرقوا بين الإيمان والعمل وجعلوا العمل شرط كمال فهل صحيح يا شيخ؟
الشيخ : لا ، أبداً ،العمل جزء من الإيمان وليس بين العمل والإيمان انفصال .
[مكالمة هاتفية]
الشيخ صالح بن سعد السحيمي:
وعنده إطلاقات -يعني الحلبي- يدخل منها المرجئة ، عنده إطلاقات يخشى عليه أن يستغلها المرجئة ويدخلون معه . إطلاقاته هذه كقوله أحياناً: أن الكفر إعتقادي وأن العملي لا يُكفّر ؛ هذا غير صحيح ، هذا لا يوافق عليه ، حتَّى شيخنا الشيخ ناصر – رحمه الله – على فضله وقدره ، لانوافقه على هذه القضية ، فمن الكفر العملي ما يخرج من الملة ، كسبِّ الله ورسوله والسجود للصنم والاستهزاء بالسنة ، هذا كله كفر ينقل عن ملة الاسلام …
[مكالمة هاتفية]
ـــــــ
السائل: يقول جزاكم الله خيرا، حديث في السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه و سلم : "صنفان من أمتي لن يردا علي الحوض ، المرجئة و القدرية" السؤال : ما الحكمة من الجمع بين هاتين الفرقتين بالذكر، فهل في عصرنا هذا من يقول أو يعتقد بما قاله أو اعتقده المرجئة الأولون؟
الشيخ: نعم، هذا الحديث الذي حسنه الشيخ رحمه الله و سبقه إلى تحسينه جمع من أهل العلم يبين خطورة هاتين الطائفتين : المرجئة و القدرية.
و المرجئة هم الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة ، و المتقدمون منهم بل و بعض المتأخرين هم إباحيون يقولون إذا قلت لا إله إلا الله فافعل ما شئت و يزعمون أن الإيمان هو مجرد التصديق و منهم من يضيف إليه القول ، و يخرجون العمل من الإيمان ، و من رأى أن العمل ليس من الإيمان مطلقاً و ادعى أن من نطق بالشهادتين و صدق أنه يدخل في الإسلام فقد أعظم على الله الفرية ، و قد أجمع أهل العلم على أن من ترك العمل بالكلية فليس بمؤمن ، و لذلك قال كثير من السلف الإيمان قول و عمل ، بل قال الإمام البخاري رحمه الله :" أدركت ألفاً من العلماء كلهم يقولون الإيمان قول و عمل" و يقول سفيان بن عيينة رحمه الله :"أدركت اثنين و ستين عالماً كلهم يقولون الإيمان قول و عمل" فمن أخرج العمل من الإيمان و قال بجواز ترك العمل فليس بمسلم ، و الإيمان الذي هو قول و عمل و الاعتقاد منه ما يبطل الإيمان بتركه مطلقا و هو التوحيد و هذا إجماع ، و منه ما يبطل بتركه الإيمان على الصحيح من أقوال أهل العلم و هو ترك الصلاة حتى و لو كان تكاسلا ، فتارك الصلاة كافر و ليس بمؤمن سواءً تركها جحدا أو تركها كسلاً ، و منه ما ينقص به الإيمان الواجب كترك بقية الواجبات تهاوناً و ليس جحدا و ارتكاب بعض المحرمات دون استحلال ، و منه ما ينقص به الإيمان المستحب و هو ترك المستحبات و ترك المسنونات ، هذه هي المرجئة.
و أما القدرية فأكثرهم من المعتزلة و هم على قسمين :
-القدرية الجبرية و هم الجهمية الإرجائية .
-القدرية النفاة و هم نفاة القدر و هم الذين يقولون : إن الله لم يخلق أفعال العباد و هم المعتزلة ، و المعتزلة على النقيض من المرجئة الغلاة فمع تقريرهم نفي القدر فإنهم يقولون -أعني المعتزلة مثل واصل بن عطاء و عمر بن عبيد و غيرهم- يقولون إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين ، لا مؤمن و لا كافر ، و إذا مات مصراً عليها فهو خالد مخلد في النار ، فهم في النهاية يتفقون مع الخوارج ، و قد جاء في الحديث :" القدرية مجوس هذه الأمة ، إذا مرضوا فلا تعودوهم و إذا ماتوا فلا تتبعوا جنازتهم".
الخلاصة أن هاتين الفرقتين من شر الفرق .
بقي أن يقال هل لهم وجود؟ هل للإرجاء وجود الآن؟ ، نعم له وجود ، فالذين لا يصلون و يقولون إن الله غفور رحيم ، هؤلاء مرجئة ،لأن من لم يصلي فهو كافر ، و الذين يرون أن ارتكاب المحرمات لابأس به فهم كفار و مرجئة و غلاة ، و أما من ابتلي ببعض المعاصي مع اعتقاده تحريمها دون ترك التوحيد أو ترك الصلاة فلا شك أن هذا لا يخرج من حظيرة الإيمان و إنما هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته أو مؤمن فاسق أو نحو ذلك .
و أما ما قد يقع من بعض الناس من حكم على المسلمين بالإرجاء من أجل أنهم لا يوافقونهم في بعض الألفاظ القولية ، فإن هذا تجني على المسلمين ، مثل من يحكم على الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بالإرجاء و هو القائل : "هل يُتصور أن من ادعى أن من قال لا إله إلا الله و ترك العمل مسلم ؟ لا و الله ليس بمسلم" هذا هو قوله رحمه الله ، يقول أن من ادعى الإيمان و هو لا يعمل شيئاً البتة فليس بمسلم ، و هذا بإجماع المسلمين و هذا توضيح لبعض الإجمالات التي استغلها من استغلها من الجهلة فحكموا على المسلمين بالإرجاء و هو بعيدون من ذلك كل البعد و رتبوا على ذلك أحكاما و عند الله تجتمع الخصوم .
فلننتبه و لنمسك ألستنا عن الولوغ في أعراض العلماء فإن أعراض العلماء مسمومة و سنة الله في منتقصهم معلومة .
إلى درس الغد أستودعكم الله و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
[محاضرة : بدع شهر رجب بتاريخ:16/07/1430هـ]
ــــــ
الشيخ عبد الحميد الجهني : يقول السائل : فضيلة الشيخ أحسن الله إليك هناك من يرمي محدث العصر الإمام الألباني – رحمه الله تعالى – بالإرجاء . نرجو التعليق .
الشيخ صالح السحيمي : إي نعم . يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله جل وعلا من حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه : ( من عادى لي و ليا فقد آذنته بالحرب ) و معاداة أهل العلم و رميهم بما ليس فيهم و اتهامهم بما هم منه برآء من عادات المنافقين ، فقد قال رجل – بل لم يكن منافقا و إنما اعتبر منافقا بعد ذلك إلى أن رجع – : ( ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكبر بطونا و لا أكذب ألسنا و لا أجبن عند اللقاء ) فنزلت الآية :{ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } [التوبة65/66] و يقال إن هذا الرجل رجع بعد ذلك ، لكن في البداية لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره ، و قد تقدم لنا أن من نواقض الإسلام ؛ بغض شيء من أمور الدين أو بغض مَن يمثل ذلك من أجل ذلك ،و تهمة شيخنا الشيخ الألباني – رحمه الله – بالإرجاء جريمة كبرى و خطأ فادح و زلل فاضح بل هو ممن يرد على الإرجاء ، و هذا الخلل دخل على أولئك من وجهين :
– الوجه الأول : هناك إطلاق عند شيخنا الشيخ ناصر و هو مسبوق إليه ، لكن نرى أنه خطأ ،و هو إطلاقه بأن الكفر العملي لا يخرج من الدين . و هذا خطأ من الشيخ يخالف منهجه هو نفسه عند التطبيق ؛ خطأ لفظي ، و أيضا قوله إن الأعمال شرط كمال في الإيمان ، بينما نراه في تعليقه على الطحاوية و غيرها يقرر أن العمل من الإيمان و هذا ضد مذهب المرجئة ، حتى مرجئة الفقهاء . و نحن و إن كنا لا نوافقه – رحمه الله – على مثل هذه العبارة :(أن العمل شرط كمال )، لأن من ترك العمل بالكلية و لم يعمل عملا مطلقا ، فلا شك في كفره إجماعا . و إن أدق عبارة ينبغي أن تقال هي عبارات السلف ؛ كما قال الإمام البخاري :( أدركت ألفا من العلماء يقولون :الإيمان قول و عمل) هذه أدق عبارة ، أما أن نمتحن الناس بكلمة : هل هو شرط صحة أو شرط كمال
؟ فهذا امتحان ما أنزل الله به من سلطان ، لأن من أطلق قوله :(شرط كمال ) قد ينفذ من خلال قوله المرجئةُ ، و إن لم يقل هو بذلك -أي بقول المرجئة – لكن المرجئة قد يستغلون قوله فيمتطونه . و من اقتصر على القول بأنه (شرط صحة ) قد ينفذ من خلال قوله الخوارجُ و المعتزلةُ ،لأنه تقدم لنا في أول الدرس أن العمل منه ما يَبطُلُ الإيمانُ بتركه بالكلية كترك الشهادتين وترك الصلاة في أصح قولي أهل العلم ،و منه ما يَنقُصُ به الإيمانُ الواجبُ و منه ما يَنقُصُ به الإيمانُ المستحبُّ و هذا تقدم بيانه .أما الخوارج فإنهم يقولون :( الإيمان كلٌّ لا يتجزأ ، إذا ذهب جزؤه ذهب كلُّه ) و أهل السنة يفصلون التفصيل الذي ذكرته لكم من بيان أنواع الأعمال التي قد يكفر بها المرء و قد لا يكفر بها ، و البعض منها إنما هو نقصٌ في الإيمان المستحب ، لكن أقول إن المتتبع لمعتقد الشيخ ناصر – رحمه الله – و إن كان أطلق هذه الكلمة ، فإنه عند التطبيق لا يريد مدلولها الذي قد يتبادر إلى الذهن ، و لذلك يجب التورع عن رميه بالإرجاء ،بل إنه قد ظهرت زمرة الآن و فئة ممن يفتون بغير علم ؛إذا لم تقل إن العمل شرط صحة ربما كفروك أو وصفوك بالإرجاء ،و نحن نقول إن أدق العبارات هي عبارات السلف : ( العمل من الإيمان ) أو (الإيمان قول و عمل ) بدلا من أن نمتحن الناس بألفاظ قد ترد عليها إلزامات ؛ إما أن ترد عليها من قِبَلِ الخوارج وإما أن ترد عليها من قِبَلِ المرجئة . فالتقيد بألفاظ السلف فيه خير كبير .
– المسألة الثانية : التي ربما البعض يأخذها على الشيخ :(عدم تكفيره لتارك الصلاة ) و هذه المسألة هو مسبوق إليها ،فمن ترك الصلاة تهاونا – في الحقيقة أنا أعتقد أن النصوص الشرعية واضحة في كفر تارك الصلاة و لو تهاونا -و مع هذا كله فقد قال بعض الأئمة الجهابذة مثل مالك و الشافعي وأبي حنيفة و رواية عند أحمد أن تارك الصلاة تهاونا لا يكفر ، بل هو عاص من العصاة ، و الشيخ وافقهم في هذا ، فإذا قلنا إنه مرجيء بناء على هذه المسألة فيلزمنا القول بأن مالكا و الشافعي و أبا حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه كلهم يعتبرون مرجئة .و هذا لم يقل به أحد من أهل العلم ،و إن كنا نرجح خلاف هذا الأمر المنسوبة إلى الجمهور ،و الذي يبدو أن تارك الصلاة يكفر مطلقا ، و النصوص في هذا واضحة .
فإذن نقول لهؤلاء ( من عادى لي و ليا فقد آذنته بالحرب ) و نقول لهم ما قاله ابن عساكر : (لحوم العلماء مسمومة و سنة الله في منتقصيهم معلومة ).
لا شك أن الشيخ الألباني و غيره عنده بعض الزلات و بعض الهفوات ، لكن فرقٌ بين أن يكون الشخص مرتكسا بالبدع يؤصل لها و يقيم دينه عليها و بين من تَصدُر منه زلة أو هفوة لعل الله أن يغمرها في خِضَمِّ ما قدم من خدمة للسنة ، و كل يؤخذ من قوله و يرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، انتبهوا لخطورة هذا الأمر و لا تفتتنوا بزبالات الإنترنت ،فلان مرجئ ، فلان كذا ، فلان كذا …الهذيان الذي يردد خصوصا عبر موقع يسمى (الموقع الأثري) و هو الموقع الذي هو ضد الأثر و ضد أهل الأثر ؛يعني و العياذ بالله يتكلمون بأسماء مستعارة في ذم أهل العلم و ذم طلبة العلم و القائم عليها أحد الأطفال الصغار في بعض البلاد ،فاحذروا من هذه المواقع فإنها جد خطيرة .
[شرح نواقض الإسلام – شرح مسجد عمر بن خطاب مدينة ينبع]
*******
وفي الختام نسأل الله أن يرحم ويغفر للشيخ العلامة الألباني وأن يتجاوز عنا وعنه بعفوه وكرمه إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو زينب أحمد بن إبراهيم بن علي
عصر الجمعة: 18 شعبان 1431 هـ
أين العلماء من قوله – صلى الله عليه وسلم – (إلا التوحيد) وقوله (أخرجوا من في قلبه ذرة من إيمان ثم يشفع الرحمن فيما دون الذرة ) هل فهمت؟ أرجو
نصيحة الإخوان فيما أثير حول مسائل الإيمان.
تَأْلِيفُ
فضيلة الشيخ:
عبد الحميد بن خليوي الجهني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله, نحمده , ونستعينه, ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فهذه رسالة مختصرة في تعريف الإيمان, وبيان الفرق بين قول السلف وقول المخالفين لهم في هذا الباب؛ كالخوارج, والمعتزلة, والمرجئة وبعض المعاصرين المخالفين للسلف في بعض مسائل الإيمان.
و لْيُعْلَم أنّ القصد من هذه الكتابة هو بيان قول سلفنا الصالح وتمييزه عن باقي الأقوال المخالفة, وهذا لا يتمُّ إلا بذكر هذه الأقوال حتى يتصورها القارئ ويميِّز بينها وبين قول السلف, كما قيل:
وبضدِّها تتميَّز الأشياء.
و لولا هذا لم يكن بنا حاجة لذكر أقوال المخالفين من القدامى أو المعاصرين، فليس المقصود إذن الردّ على أحد بعينه, فما يعنيني الأشخاص بقدر ما تعنيني الأقوال والمعتقدات.
ومن ظن أن هذه الكتابة موجهة لشخص بعينه فقد ظن بكاتبها ظن السوء؛ والله عزَّ وجلَّ يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } الحجرات ( 12 ) , وليس المقصود – أيضاً – إثارة الفتن والقلاقل والخوض بالباطل بين أهل السنة, فما كتبت هذا إلا نصيحةً لعامة المسلمين, وعملاً بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على مَنْ حَمَلَ أمانة العلم :{ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } آل عمران (187) .
و قد رَغِبَ إلىَّ بعضُ الإخوة الأفاضل الكتابةََ في هذه المسألة, لكثرة ما أُثير حولها من ردود ومناقشات, التبس فيها الحق بالباطل؛ فلم أر بُدّاً من إجابة هذا الطلب الكريم.
فأقول مستعينا بالله عز وجل سائلا إياه التوفيق والسداد:
أجمع السلف على أن الإيمان قول وعمل, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
و قد تواتر عن السلف قولهم ( الإيمان قول وعمل ) حتى أصبحتْ هذه الكلمةُ شعاراً عند أهل السنة على السنة, كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( مجموع الفتاوى 7/308)
بيان ذلك أن القول: يشمل قول القلب وقول اللسان.
و العمل: يشمل عمل القلب وعمل الجوارح.
فهذه أربعة أركان يقوم عليها الإيمان, وشرح ذلك على النحو التالي:
قول القلب: تصديقه.
وقول اللسان: النطق بالشهادتين.
وعمل القلب: كالحب, والبغض, والخوف, و الرجاء, و التوكل, والخشية, والإنابة, والإخلاص… إلى غير ذلك من أعمالِ القلوب, التي هي بحرٌ لا ساحلَ له.
وعمل الجوارح: هي الأعمال الظاهرة؛ كالصلاة, والزكاة, والحج , والصوم, والجهاد في سبيل الله …
فالسلف الصالح يدخلون هذه كلها في الإيمان، ويقولون إن الإيمان لا يصح إلا بقول وعمل، وعلى هذا إجماعهم, كما حكاه الإمام الشافعي حيث قال رحمه الله :" وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم, ومن أدركناهم يقولون :الإيمان : قول وعمل ونية ؛ لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر".
نقله عنه الإمام اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد ( 5/886 ) وشيخ الإسلام ابن تيمية , كما في مجموع الفتاوى ( 7/209 ) وكلاهما عزاه إلى كتاب ( الأم ) للشافعي.
تنبيه: هذا النص عن الشافعي لا يوجد في نسخة ( الأم ) المطبوعة, ففرح بهذا بعض المعاصرين المخالفين لقول السلف و جعلوا يشككون في نسبة هذا القول إلى الشافعي !
و الجواب عن هذا أن يقال:
أولاً: هذا الإجماع حكاه غير الشافعي, وممن حكاه تلميذه المزني, كما في رسالته ( شرح السنة).
ثانياً : هل نسخة ( الأم ) التي ينقل عنها اللالكائي وابن تيمية هي النسخة المطبوعة نفسها ؟ فإن أثبتم أنها هي – ودون ذلك خرط القتاد – جاز لكم التشكيك في نسبة هذا القول إلى الشافعي . أمَّا وقد عُلِمَ أن الكتب القديمة تتعدد رواتها, وتختلف نسخها؛ فيوجد في نسخة ما ليس في الأخرى, فليس يليق بعاقل منصف – حينئذٍ – أن يورد هذا التشكيك من أصله.
ثالثاً : اللالكائي وابن تيمية كلاهما إمام ثبت حجة فما ينقلانه عن الأئمة المتقدمين صحيح, وليس لأحد أن يُشكك في نقل أمثالهما من أئمة الدين حتى يقيم الدليل على صحة كلامه, وإلا كان راجماً بالغيب, متخرصاً على أهل العلم .
رابعاً : ليس عند من شكك في كلام الشافعي دليل علمي مقنع سوى أن هذا النص لا يوجد في نسخة ( الأم ) المطبوعة , فهل هذا يصلح أن يكون دليلا للطعن في نقل إمامين كبيرين كاللالكائي وابن تيمية . وقد عزا الإمامان ؛ اللالكائي , وابن تيمية – رحمهما الله تعالى – كلام الشافعي إلى كتاب ( الأم ) في باب : النية في الصلاة . فعزواه إلى الباب فضلاً عن الكتاب. ثم يأتي من يشكك في عزوهما ونقلهما من الكتب!
و هذه نقول عن أئمة آخرين في بيان قول السلف, وأنهم موافقون للشافعي رحمه الله فيما قال.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : الإيمان لا يكون إلا بعمل . رواه عنه الإمام الخلال في ( السنة 3/566 )
و سُئل الإمام سهل بن عبد الله التُّسْتَري ( ت283هـ ) عن الإيمان ما هو ؟ فقال:
هو قول ونية وعمل وسنة؛ لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة. ( الإبانة للإمام ابن بطة 2/814)
قلت : وليس تعريف سهل بن عبد الله التُّسْتَري – رحمه الله – للإيمان يخالف التعريف المتواتر عن السلف: أن الإيمان قول وعمل. بل هو شرح له. يبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول:
قَوْلُ السَّلَفِ ( يعني أن الإيمان قول وعمل ): يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ الْبَاطِنَ وَالظَّاهِرَ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ لَا يَفْهَمُ دُخُولَ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَنِيَّةٌ. ثُمَّ بَيَّنَ آخَرُونَ: أَنَّ مُطْلَقَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ لَا يَكُونُ مَقْبُولًا إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ . وَهَذَا حَقٌّ أَيْضًا فَإِنَّ أُولَئِكَ قَالُوا : قَوْلٌ وَعَمَلٌ لِيُبَيِّنُوا اشْتِمَالَهُ عَلَى الْجِنْسِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ ذِكْرَ صِفَاتِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ ؛ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ . جَعَلَ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ اسْمًا لِمَا يَظْهَرُ ؛ فَاحْتَاجَ أَنْ يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَ الْقَلْبِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْخِلَ فِي قَوْلِهِ : اعْتِقَادَ الْقَلْبِ أَعْمَالَ الْقَلْبِ الْمُقَارِنَةِ لِتَصْدِيقِهِ مِثْلُ حَبِّ اللَّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ ؛ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِنَّ دُخُولَ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فِي الْإِيمَانِ أَوْلَى مِنْ دُخُولِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ باتفاق الطَّوَائِفِ كُلِّهَا. انتهى ( مجموع الفتاوى 7/506 ).
وقال الإمام الآجُرِّي – رحمه الله – في " الشريعة 1/274 ":
باب: القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنا، إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث.
ثم قال رحمه الله: اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح.
ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا، ولا تجزيء معرفة بالقلب، ونطق باللسان ، حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال : كان مؤمنا دل على ذلك القرآن، والسنة، وقول علماء المسلمين.
(وقال أيضاً 1/275):
الأعمال – رحمكم الله – بالجوارح: تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه : مثل الطهارة، والصلاة والزكاة، والصيام والحج والجهاد، وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا، ولم ينفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيبا منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكرناه تصديقا منه لإيمانه، وبالله التوفيق . ا.هـ
(وقال رحمه الله 1/311):
بل نقول والحمد لله قولا يوافق الكتاب والسنة، وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم، وقد تقدم ذكرنا لهم : إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، ولا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة، لا يجزئ بعضها عن بعض، والحمد لله على ذلك . ا.هـ
وقال الإمام أبو عبد الله بن بطة – رحمه الله – بعد أن ذكر الآيات الدالة على أن العمل من الإيمان – : فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل, وأن من صدَّق بالقول وترك العمل كان مكذِّباً وخارجاً من الإيمان وأن الله لا يقبل قولاً إلا بعمل ولا عملاً إلا بقول
ا.هـ ( الإبانة 2/795 )
وقال الإمام الزاهد القدوة شيخ قرطبة أبو عبد الله بن أبي زَمَنِين رحمه الله تعالى ( ت 399 هـ ) : والإيمان بالله هو باللسان والقلب, وتصديق ذلك العمل؛ فالقول والعمل قرينان, لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه. ا.هـ ( أصول السنة ص207 مكتبة الغرباء الأثرية ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
حقيقة الدين هو الطاعة و الانقياد, و ذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط؛ فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا, و من لا دين له فهو كافر. ا.هـ ( شرح العمدة – كتاب الصلاة ص86).
وقال أيضاً – رحمه الله – : وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّينَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ, وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤَدِّ وَاجِبًا ظَاهِرًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً وَلَا صِيَامًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ, لَا لِأَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَهَا, مِثْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ أَوْ يُصَدِّقَ الْحَدِيثَ أَوْ يَعْدِلَ فِي قَسَمِهِ وَحُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ إيمَانٍ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ؛ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ يَرَوْنَ وُجُوبَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِإِيجَابِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ قَالَ : بِحُصُولِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ بِدُونِ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ – سَوَاءٌ جَعَلَ فِعْلَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ لَازِمًا لَهُ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ فَهَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ – كَانَ مُخْطِئًا خَطَأً بَيِّنًا , وَهَذِهِ بِدْعَةُ الْإِرْجَاءِ الَّتِي أَعْظَمَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ الْكَلَامَ فِي أَهْلِهَا وَقَالُوا فِيهَا مِنْ الْمَقَالَاتِ الْغَلِيظَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ , وَالصَّلَاةُ هِيَ أَعْظَمُهَا وَأَعَمُّهَا وَأَوَّلُهَا وَأَجَلُّهَا . انتهى ( مجموع الفتاوى 7/621).
وقال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
لا خلاف بين الأمة أن التوحيد : لا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم , واللسان الذي هو القول , والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي ؛ فإن أخلَّ بشيء من هذا, لم يكن الرجل مسلماً ؛ فإن أقرَّ بالتوحيد , ولم يعمل به فهو : كافر, معاند, كفرعون وإبليس؛ وإن عَمِلَ بالتوحيد ظاهراً, وهو لا يعتقده باطناً, فهو:
منافق خالصاً, أشر من الكافر. ا.هـ ( الدرر السَّنية 2/124 _125).
وقال أيضاً – رحمه الله – : اعلمْ رحِمَك الله : أنَّ دين الله يكون على القلب بالاعتقاد، وبالحبِّ والبُغض، ويكون على اللِّسان بالنُّطق وترك النُّطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام، وترك الأفعال التي تكفِّر، فإذا اختلَّت واحدة من هذه الثلاث، كفر وارتدَّ. ا.هـ ( الدرر السَّنية 10/87).
و قال سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى -: الإيمان عندهم ( أي: السلف ) قول وعمل واعتقاد, لا يصح إلا بها مجتمعة. انتهى ( أقوال ذوي العرفان ص147 – تأليف عصام السناني – مراجعة الشيخ العلاَّمة صالح الفوزان ).
قلت: فهذه أقوال أئمة الدين, المحتج بكلامهم في هذا الباب, وثمة أقوال أخرى، أضعاف ما ذكرته لأئمة آخرين, تركتها خشية الطول, وفيما ذكرته مقنع لطالب الحق, وكفاية للمسترشد؛ أما المتعصب فلو أقمت له ألف دليل فلن يقبل إلا ما وافق هواه , فنعوذ بالله من الخذلان .
ذهبت الخوارج والمعتزلة إلى أن الإيمان قول وعمل, بيد أنهم يجعلون كلَّ فرد من أفراد العمل الواجب ركناً في الإيمان, فإذا ذهب بعض الإيمان – قولاً كان أو عملاً – ذهب الإيمان كله ؛ فليس الإيمان يزيد وينقص عندهم – كما يقوله السلف – بل نُقْصانه عندهم بطلانه, و بنوا عليه تكفير صاحب الكبيرة ( كما تقوله الخوارج في المشهور من مذهبهم ) أو إخراجه من دائرة الإيمان إلى منزلة بين الإيمان والكفر ( كما تقوله المعتزلة في المشهور من مذهبهم ) , ثم اتفقوا ( أي : الخوارج والمعتزلة ) على خلوده في النار يوم القيامة !
أما السلف فلم يجعلوا كل فرد من الأعمال الصالحة ركناً في الإيمان, فليس صاحب الكبيرة كافراً عندهم, بل هو مؤمن ناقص الإيمان, وهو يوم القيامة تحت المشيئة؛ إن شاء الله عذَّبه بذنوبه وإن شاء عفا عنه, ثم إن دخل النار فليس يخلد فيها خلود الكافرين, بل يخرج منها يوماً من الدهر؛ إذ لا يخلد في النار موحد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ لَهُمْ أَسْمَاءٌ يُقَالُ لَهُمْ : " الحرورية " لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِمَكَانِ يُقَالُ لَهُ حَرُورَاءُ وَيُقَالُ لَهُمْ أَهْلُ النهروان: لِأَنَّ عَلِيًّا قَاتَلَهُمْ هُنَاكَ وَمِنْ أَصْنَافِهِمْ " الإباضية " أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبَاضٍ و الأزارقة " أَتْبَاعُ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ و " النَّجَدَاتُ " أَصْحَابُ نَجْدَةَ الحروري . وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِالذُّنُوبِ بَلْ بِمَا يَرَوْنَهُ هُمْ مِنْ الذُّنُوبِ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَلِكَ فَكَانُوا كَمَا نَعَتَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ " وَكَفَّرُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عفان وَمَنْ وَالَاهُمَا وَقَتَلُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مُسْتَحِلِّينَ لِقَتْلِهِ , قَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ المرادي مِنْهُمْ, وَكَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخَوَارِجِ مُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ لَكِنْ كَانُوا جُهَّالًا فَارَقُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ فَقَالَ هَؤُلَاءِ: مَا النَّاسُ إلَّا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ؛ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ فَعَلَ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ؛ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ. ثُمَّ جَعَلُوا كُلَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ كَذَلِكَ فَقَالُوا: إنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَنَحْوَهُمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَظَلَمُوا فَصَارُوا كُفَّارًا.
وَ مَذْهَبُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ بِدَلَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
( قال رحمه الله):
فَجَاءَتْ بَعْدَهُمْ " الْمُعْتَزِلَةُ " – الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْجَمَاعَةَ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُمْ : عَمْرُو بْنُ عُبَيْد ، وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ الْغَزَالُ وَأَتْبَاعُهُمَا – فَقَالُوا : أَهْلُ الْكَبَائِرِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَتْ الْخَوَارِجُ وَلَا نُسَمِّيهِمْ لَا مُؤْمِنِينَ وَلَا كُفَّارًا ؛ بَلْ فُسَّاقٌ نُنْزِلُهُمْ مَنْزِلَةً بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ. وَأَنْكَرُوا شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهَا. قَالُوا : مَا النَّاسُ إلَّا رَجُلَانِ : سَعِيدٌ لَا يُعَذَّبُ أَوْ شَقِيٌّ لَا يُنَعَّمُ، وَالشَّقِيُّ نَوْعَانِ : كَافِرٌ وَفَاسِقٌ وَلَمْ يُوَافِقُوا الْخَوَارِجَ عَلَى تَسْمِيَتِهِمْ كُفَّارًا . وَهَؤُلَاءِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا رَدُّوا بِهِ عَلَى الْخَوَارِجِ . انتهى ( مجموع الفتاوى 7/481_484 ).
و قال الإمام ابن عبدا لبر – رحمه الله –:
وأما المعتزلة فالإيمان عندهم: جماع الطاعات, ومن قصر منها عن شيء فهو فاسق ؛ لا مؤمن ولا كافر. وسواهم المتحققون بالاعتزال أصحاب المنزلة بين المنزلتين.
و منهم من قال في ذلك بقول الخوارج: المذنب كافر غير مؤمن. إلا أن الصفرية تجعله كالمشرك وتجعل دار المذنب المخالف لهم دار حرب. وأما الإباضية فتجعله كافر نعمة ولكنهم يخلدونه في النار إن لم يتب من الكبيرة ولا يستحلون ماله كما يستحله الصفرية . و لهم ظواهر آيات يبرهنون بها قد فسرتها السنة وقد مضى على ما فسرت السنة في ذلك علماء الأمة. ا.هـ ( التمهيد 9/251 ).
وقال الشيخ العلامة حافظ حكمي – رحمه الله – في الفرق بين قول السلف وبين قول المعتزلة : والفرق بين هذا ( قول المعتزلة ) وبين قول السلف الصالح : أن السلف الصالح لم يجعلوا كلَّ الأعمال شرطاً في الصحة, بل جعلوا كثيراً منها شرطاً في الكمال, كما قال عمر بن عبد العزيز فيها: من استكملها استكمل الإيمان, ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان, والمعتزلة جعلوها كلها شرطاً في الصحة . انتهى ( معارج القبول 2/602 دار ابن القيم).
وقد آثرت أن أبين قول الخوارج في الإيمان لأني رأيت بعض الناس يخلط بينه وبين قول السلف ! فيجعل قول السلف في الإيمان قولاً للخوارج الوعيدية, ويجعل قول المرجئة قولاً للسلف !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَقْوَالِ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة؛ لِاخْتِلَاطِ هَذَا بِهَذَا فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ هُوَ فِي بَاطِنِهِ يَرَى رَأْيَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُرْجِئَةِ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ مُعَظِّمٌ لِلسَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامِ أَمْثَالِهِ وَكَلَامِ السَّلَفِ . ا.هـ ( مجموع الفتاوى 7/364 ).
المرجئة فرق كثيرة ولهم أقوال عديدة في تعريف الإيمان أشهرها ثلاثة أقوال:
حصرها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في قوله : والمرجئة ثلاثة أصناف :
الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب. ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري أقوالهم في كتابه.
وذكر فرقا كثيرة يطول ذكرهم ، لكن ذكرنا جمل أقوالهم ، ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن تبعه كالصالحي وهذا الذي نصره هو وأكثر أصحابه.
والقول الثاني: من يقول: هو مجرد قول اللسان, وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية .
والثالث: تصديق القلب وقول اللسان, وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم 0 اهـ (مجموعة الفتاوى7195).
إذن اتفقت المرجئة على اختلاف طوائفها على أن العمل الظاهر لا يدخل في مسمى الإيمان.
و عليه فإن إيمان الشخص يكون كاملا بدون عمل ! وأن الناس في الإيمان سواء, وأن إيمان أفسق الناس كإيمان أبى بكر وعمر! بل كإيمان جبريل و ميكائيل ! إذ الإيمان لا يزيد ولا ينقص, وانَّ من قال : أنا مؤمن إن شاء الله كفر لأنه شك في إيمانه, ومن شك في إيمانه فقد كفر. وثمة فروع كثيرة بنوها علي قولهم في (الإيمان ) ، من أبرزها أنهم لم يكفروا تارك العمل بالكلية خلافا لإجماع السلف، وعليه فإن الخلاف بينهم وبين السلف ليس لفظيا كما يقوله بعض الناس بل هو خلاف حقيقي، وقد غلط من نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يقول: إن الخلاف بين السلف ومرجئة الفقهاء خلاف لفظي، هكذا بإطلاق، بل المعروف عنه رحمه الله أنه يقيد الخلاف بأكثره أو معظمه ونحو هذه العبارات التي يفهم منها أن الخلاف حقيقي في بعض جوانبه ، فلينتبه لهذه المسألة فقد تعجَّل فيها أقوام , فغلِطوا على شيخ الإسلام رحمه الله .
المراد بمرجئة الفقهاء عند أئمة السنة هم أبو حنيفة وأصحابه, وقولهم في الإيمان معروف, حيث يقولون: إنه عقد بالجنان ونطق باللسان. فمن عقد بقلبه ونطق بلسانه فقد دخل في الإيمان بل هو كامل الإيمان كما تقدم.
وهناك فقهاء آخرون منتسبون إلى غير أبي حنيفة وقعوا في الإرجاء ككثير من الشافعية والمالكية بسبب اعتناقهم للعقيدة الأشعرية, والأشاعرة مرجئة, بل هم من غلاة المرجئة لكونهم يجعلون الإيمان هو التصديق, فوافقوا الجهم بن صفوان في قوله وعليه فان مرجئة الفقهاء من الحنفية خير من مرجئة الفقهاء من الشافعية والمالكية ممن ينتسب إلي العقيدة الكُلاَّبية الأشعرية .
وبعض فقهاء الحنابلة المتأخرين تأثروا بالعقيدة الأشعرية فقالوا بقول الأشاعرة في الإيمان وغيره , والله المستعان.
ذهب بعض المعاصرين إلى قول ملفق من قول السلف وقول المرجئة فقالوا:
الإيمان قول وعمل, فوافقوا السلف في هذا القول.
ثم إنهم صححوا الإيمان بدون عمل ! فخالفوا السلف في هذا, وقد تقدم إجماع السلف على أن الإيمان لا يصح بدون عمل.
أما موافقة هؤلاء المعاصرين للمرجئة الأولين فهو في اتفاقهم أن الإيمان يصح بدون عمل, فيصبح الخلاف بينهم وبين المرجئة خلافاً لفظيا, إذ الجميع متفق على صحة الإيمان بدون عمل, بيد أن المرجئة تجعله إيمانا مطلقا ( كاملا ) وهؤلاء المعاصرون يقولون: مطلق إيمان.
وسواء كان إيمانا مطلقا على قول المرجئة القدامى أو مطلق إيمان على قول هؤلاء المعاصرين فهو – عند الطائفتين – صحيح ومقبول عند الله وينجِّى من الخلود في النار.
أما السلف الصالح فهم على خلاف قول هاتين الطائفتين فلا نجاة عندهم يوم القيامة إلا بالعمل.
و عليه: فإن قول هؤلاء المعاصرين إن الإيمان قول وعمل هو موافقة لفظية للسلف وليست حقيقية لأنهم يصححون الإيمان بدون عمل, والسلف لا يصححونه, كما تقدم نقل إجماعهم على هذا. فمخالفة هؤلاء المعاصرين للسلف في باب الإيمان هي مخالفة حقيقية .
ونخلص من هذا إلى أن الأقوال أربعة:
1- قول السلف: إن الإيمان قول وعمل, ولا يصح الإيمان إلا بهما.
2- قول الخوارج والمعتزلة: إن الإيمان قول وعمل, ولا يصح الإيمان إلا بكل فرد من أفراد العمل.
3- قول المرجئة: إن الإيمان قول، ويصح الإيمان به وحده بل يكمل به.
4- قول بعض المعاصرين: إن الإيمان قول وعمل, ويصح الإيمان بالقول وحده ولا يكمل به.
و بهذا يتبين موافقة أصحاب القول الرابع (من أهل عصرنا ) لقول المرجئة, وأنَّ مَن رَدَّ عليهم وحذَّر من أقوالهم لم يكن يتكلم جِزافاً أو من غير عِرْفة.
وهؤلاء المعاصرون, كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مرجئة الفقهاء: لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم . ( مجموع الفتاوى 7/194).
هذا؛ ومن أعظم هذه الحجج الشرعية – التي هي في حقيقتها شبهٌ – : حديث الشفاعة الذي ورد فيه أنه يخرج من النار أقوام لم يعملوا خيرا قط.
فاحتج هؤلاء المعاصرون بهذه الكلمة و بنوا عليها أن الإيمان يصح بدون عمل وأن العمل الظاهر شرط كمال في الإيمان.
و هذا الحديث لو لم يتكلم عنه أئمة السنة لوجب رده إلى النصوص المحكمة التي تبين أنه لا نجاة إلا بعمل، بل يجب فهمه على ضوء الإجماع السلفي في أن الإيمان لا يصح من غير عمل.
فكيف وقد تكلم عنه الأئمة و وجهوه التوجيه الصحيح الذي يقطع علائق الإرجاء.
ومن هؤلاء الأئمة الذين أجابوا عن هذا الحديث الإمام ابن خزيمة إمام السنة والحديث في عصره حيث قال رحمه الله: وهذه اللفظة ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب ، ينفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعني في مواضع من كتبي. اهـ كلامه رحمه الله ( التوحيد 2/732 ) وكأنه أراد رحمه الله أن يرد على المرجئة في عصره فهم الذين يحتجون بمثل هذه العمومات, يدل عليه تبويبه, حيث قال :
باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص .
قلت : فهذه النصوص الشرعية التي يتعلق بعمومها المخالفون لعقيدة السلف لم تَخْفَ على الأئمة بفضل الله وقد أجابوا عنها, فالعجبُ من بعض المعاصرين حين احتجوا بها على صحة الإيمان من غير عمل, وقد أجاب عنها العلماء – قديماً -وبينوا مآخذها وأنه لا حجة فيها لمن خالف قول السلف. والعجب من بعضهم حيث يذكر الفهم الذي ذكره ابن خزيمة ثم يأتي بفهم المرجئة للحديث ويجعل ذلك قولين متقابلين لأهل العلم – زعم – فهل يستوي تخريج وفهم أئمة السنة مع آراء المبتدعة ؟
ومن الشبه كذلك التي يثيرها هؤلاء المعاصرون في تأييد قولهم : الخلافُ القديمُ بين العلماء في حكم تارك الصلاة تهاوناً وكسلا .
فيقول هؤلاء إنه على قول من يقول إن تارك الصلاة لا يكفر؛ تكون الأعمال كلها شرط كمال, وأن الإيمان يصح بدون عمل.
ولكن قد خفي على هؤلاء أن أئمة السنة وإن اختلفوا في حكم تارك الصلاة فهم لم يختلفوا في حكم تارك العمل بل أجمعوا على أن الإيمان لا يصح من غير عمل كما تقدم نقله عنهم, فثمة فرق ظاهر بين المسألتين, فالحكم في تارك الصلاة مسألة من مسائل الفقه اختلف فيها العلماء وليس الخلاف فيها بين أهل السنة وبين المرجئة, ولقد غَلِطَ – أو غالط – مَن جعل الخلاف فيها كذلك, أما ترك العمل وفرائض الدين بالكلية؛ فليس فيها خلاف إلا من جهة المرجئة, كما قال الإمام إسحاق بن راهويه – رحمه الله-:
غلت المرجئة حتى صار من قولهم, أن قوما يقولون: من ترك الصلواتِ المكتوباتِ , وصومَ رمضان, والزكاةَ والحجَ, وعامةَ الفرائض من غير جحود لها: إنَّا لا نكفرُهُ، يُرجأُ أمرُهُ إلى الله بَعْدُ؛ إذ هو مقرٌّ، فهؤلاء الذين لا شك فيهم .
يعني في أنهم مرجئة . ( فتح الباري لابن رجب الحنبلي 1/21 دار ابن الجوزي ). وبهذا يتبين غلط من سحب الخلاف الفقهي في حكم تارك الصلاة ؛ ليشغب به على عقيدة سلفية مجمع عليها؛ وهي إجماع أهل السنة على أن الإيمان لا يصح بدون عمل.
ثم أليس هذا المسلك في التشغيب يشبه مسلكَ بعضِ أهلِ البدعِ في التشغيب على بعض العقائد السلفية؟
وقد تقرر أن هذه الاستدلالات الظريفة مذمومة عند السلف إن كان يراد بها التشغيب على قول أهل الحق, ونصرة أقوال المخالفين لهم.
ومن ذلك أن شبابة بن سوار المدائني وكان من المرجئة القائلين بأن الإيمان قول. قيل له: أليس الإيمان قولا وعملا ؟ قال : إذا قال فقد عَمِلَ(!)
فتأمل في هذا الاستدلال الظريف في رد قول السلف.
ولهذا كان أحمد بن حنبل يحمل على شبابة ولا يحدث عنه مع أنه من شيوخه ويقول تركته للإرجاء.( سير أعلام النبلاء 9/513 ).
فهذا ما أردت بيانه لإخواني, وإلا فإن هذه المسائل يطول تقريرها, وعلى طالب الهدى إن أراد تحقيق الحق في هذا الباب وغيره أن يلقي عنه – أولاً – رداء التعصب للأشخاص؛ فهذا دين لا مجال فيه للتعصب والحمية الجاهلية, ثم عليه أن يرجع إلى ما كتب العلماء الراسخون كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومن المعاصرين ممن كتب في مسائل الإيمان فأجاد وأفاد ونصر قول السلف؛ كفضيلة الشيخ صالح الفوزان, وفضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي وغيرهما ممن قال بقول السلف في هذا الباب.
و أنبه إخواني إلى وجوب تحرى العدل والإنصاف وإنزال الناس منازلهم, وان يكون القصد معرفة الحق, ومعرفة ما خالفه من الأقوال للحذر منها والبعد عنها, وليس القصد أن نُشَنِّعَ على فلان ! أو نتتبعَ زلات فلان ! فإني لا أستبعد أن تكون مسألة الإيمان هذه قد أقحمت في الساحة لتصفية حسابات بين طرف وآخر, ولهذا تجد أن المفاسد والأضرار المترتبة على خصومات بعض هؤلاء أكثر بكثير من المصالح, ما يبين لكل عاقل لبيب أن أكثر هذه المطاحنات لا يراد بها وجه الله, وإنما هو الانتقام والتشفي من الخصوم باسم الدين و الشرع، والله المستعان على ما آلتْ إليه الأحوالُ والأمورُ !
كما أن كثرت التشنيع – وربما التضليل والتبديع ! – الذي يمارسه بعضُ هؤلاء على من يخالفهم الرأي, لا ينبغي أن يحمل الإنسان على كتم الحق ومداهنة الخلق؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ فِي حَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ ).
أخرجه الإمام أحمد ( 17/61 الرسالة ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أبو سعيد رضي الله عنه : وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ .
قال العلامة السندي : أي هذا الحديث ؛ لصعوبة العمل به على وجهه .
اللهم رحماك يا رب وهداك، جَنِّبْنا هذه الفتن واصرف عنا أوضارها وارزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة . والحمد لله رب العالمين.
وكتبه / عبد الحميد بن خليوي الجهني
صباح الأحد 25رمضان 1428 هـ
ينبع – المملكة العربية السعودية – أدام الله عزَّها بالإسلام.
قال الشيخ محمود عامر -سدده الله –
موضوع الإيمان : فالإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد بالطاعات وينقص بالمعصية وأن من مات لا يشرك بالله شيئاً ولم يعمل خيراً قط فيُعذب بقدر ما ترك ومآله إلى الجنة ومذهبي في ذلك حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – (لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد).
قلت أرجو إعادة النظر في دراسة الموضوع علي ضوء الرابط التالي
http://www.albeialy.com/modules.php?name=Khotab&op=Detailes&khid=4929
عنوان الدرس : التعليقات الحسان على مبحث الايمان هل أعمال الجوارح شرط كمال للآجرى رحمه الله
علي موقع الشيخ هشام البيلي , فقد وفي واستوفي بما لا مزيد عليه
بتاريخ الخميس 25 جمادى الأولى 1432هـ
============================
وأيضا هذا التأصيل
إثبات أن مذهب المرجئة الحالي هو المذهب الغالي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد انتشر في زماننا هذا مذهب الإرجاء الغالي جداً وتولى كبره أناس يزعمون أنهم سلفيون وأنهم من أتباع السلف ،والمذهب الذي يجتهدون في نشره يقوم على أركان ثلاثة وهي:
الركن الأول: أن تارك التوحيد المواظب على فعل الشرك الأكبر إذا كان جاهلاً بأن الله هو المستحق للعبادة وحده أو كان مقلداً لشيوخه أو متأولاً فإنه لا يعذر بجهله فحسب،بل إنه يعد من المسلمين ويصلى خلفه ويزوّج من المؤمنات وتؤكل ذبيحته وغير ذلك من أحكام المسلمين، ويزعمون أن شهادة التوحيد يكفي فيها اللفظ دون معناها وشروطها ومقتضاها،فمن لفظها بلسانه فقد دخل الإسلام بيقين، حتى قال بعض هؤلاء وهو من أهل الرياض بمحضر جمع من طلبة العلم: (من قال:وما الكلب والخنـزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في صومعة (قول الاتحادية) فهو مسلم له أحكام المسلمين ما دام قد لفظ كلمة التوحيد بلسانه). وهذا غاية الغلو ولا أعلم في التاريخ من وصل إلى هذه الدرجة من الغلو إلا أن يكون أعداء التوحيد وقت الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذين زعموا أن من لفظ الكلمة ولو فعل ألف ناقض فإنه مسلم حرام الدم والمال وشنعوا على الشيخ وزعموا أنه يكفر المسلمين ويقاتلهم وأنه من الخوارج. وتقدم الرد على هذا في مقالات سابقة.
الركن الثاني: أن تارك الصلاة المواظب على تركها طوال دهره لا يركع لله ركعة فهو مسلم موحد يعامل معاملة المسلمين ما دام لم يجحدها بقلبه. وهذا مخالف لإجماع القرون الفاضلة وللنصوص الصريحة الواضحة، وللحديث عن هذا الغلو مقال قادم.
الركن الثالث: لما سقطت الصلاة عندهم وهي عمود الدين وقعوا في أمر مريج فرأوا أن أنسب الحلول للخروج من هذا المأزق أن يُسقطوا عمل الجوارح بالكلية ويزعموا أنه شرط كمال لا يؤثر تركه في الإيمان، وصرحوا بأن من لم يعمل خيراً قط مع القدرة فهو مؤمن من أهل الجنة. وأخذوا يدندنون أن الإيمان هو التصديق وأن الكفر هو التكذيب والجحود فحسب،وأن السجود للصنم وإهانة المصحف ونحو ذلك هو علامة للكفر وليس هو عين الكفر.
فهم في التقرير يقولون ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) وعند التحقيق يقولون: العمل من الكماليات التي لا يسلب تركها بالكلية الإيمان.
واليك -أخي الكريم- بعض كلام السلف-رحمهم الله- في إثبات أن مذهب المرجئة الحالي في هذا الركن الثالث من مذهبهم هو المذهب الغالي:
1- قال الإمام الحُميدي رحمه الله ت261هـ:
(أُخبرت أن أناساً يقولون : من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً … فقلتُ : هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وفعل المسلمين) أخرجه الخلال في كتاب السنة 3/586 برقم (1027)
2- ثم قال حنبل : (قال أبو عبد الله (أي الإمام احمد):
( من قال هذا فقد كفر بالله ،ورد على الله أمـره،وعلى الرسول ما جـاء به) وأخرجـه اللالكائي 5/887 برقم (1094) .
3-قال الإمام اسحـق بن راهوية:
( غلت المرجـئة ؛ حتى صار من قولهم أن قوماً يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضـان والزكـاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها أنا لا نكفره ، يرجأ امره الى الله، بعد إذ هو مقر ، فهؤلاء الذين لا شـك فيهم) انظر فتح الباري لابن رجـب الحنبلي 1/21.
ومراده بقوله(لا شك فيهم) إما لا شـك في كفرهم كما جاء في بقية الآثـار وإما لا شك في إرجـائهم.
4- وقال شـيخ الأئمة الإمام الكبير سـفيان بن عيينة رحمه الله ت197هـ: ( المرجـئة أوجبوا الجنة لمن شهد ألا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنـزلة ركوب المحارم، وليس بسواء ، لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصـية،وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر،وبيان ذلك في امر آدم عليه السلام وابليس وعلماء اليهود … فركوب المحارم مثل ذنب آدم وغيره من الأنبياء،وأما ترك الفرائض جحوداً فهو كفر مثل كفر إبليس-لعنه الله-،وأما تركها عن معرفة من غير جحود فهو كفر مثل كفر علماء اليهود) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة 1/347 برقم (745).
5- وفي كلمة معبرة للإمام أحمد عندما سـأله حمدان الوراق عن المرجـئة فقال:
(المرجئة تقول:حتى يتكلم بلسـانه وإن لم تعمل جوارحـه … قلت: فالمرجـئة لمَ كانوا يجتهدون (أي في الأعمال) وهذا قولهم ؟! قال: البلاء) عافانا الله مما بلاهم .أخرجه الخلال في السنة 3/570 برقم (980).
6- ولما قال شبابة بن سوار:(إذا قال فقد عمل بجارحته -أي بلسانه – أي فقوله بلسانه يغنيه عن أعمال الجوارح،قال الإمام أحمد (حكي عن شـبابه قول أخبث من هذه الأقاويل ما سمعت عن احد مثله) أخرجه الخلال في السنة 3/570 برقم (982) .
7- ويوجد أثر طويل جداً نافع جداً في الإرجاء وأن أساسه التهوين من شأن العمل،نقله الإمام احمد عن الفضيل بن عياض: قال الفضيل في آخره (قد بينتُ لك إلا أن تكون أعمى) رواه في السنة للخلال 1/374 – 376 .
8- وتوجد قصة نافعة جداً لأهل السنة السلفيين حقاً؛فعندما اظهر سالم الافطس الإرجاء قبل أن يـيسر الله من يقتله بعد ذلك صبراً سنة 132هـ دار الشـباب السلفي ذلك الوقت على علماء الأمصار للسؤال عن ذلك وفيها درر ونفائس وأول القصة : (قال معقل بن عبيد الله الجزري : قدم علينا سالم الافطس في الجزيرة بالإرجـاء،فعرضه فنفر أصحابنا- أي السلفيون- منه نفاراً شـديداً وكان أشـدهم ميمون بن مهران وعبد الكريم الجزري؛فأما عبد الكريم فإنه عاهد الله ألا يؤويه وإياه سقف بيت إلا المسجد… قال معقل وحججت فدخلت على عطـاء بن أبي رباح..) القصة بطولها في السنة لعبد الله بن احمد 1/382 برقم (831) ومن طريقه الخلال وابن بطة في كتابيهما.
9- وقال فرات بن سليمان : انتهينا مع ميمون بن مهران إلى دير القائم فنظر إلى الراهب فقال لأصحابه : أفيكم من يبلغ من العبادة ما بلغ هذا الراهب ؟ قالوا : لا ، قال : فما ينفعه ذلك إن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؟! ، قالوا : لا ينفعه شـيء ،قال : كذلك لا ينفع قول بلا عمل).
وهذا من حرص العلماء على تحصـين الشباب إذا انتشرت بأرضهم الفتن والمحدثات؛فإن مثال هذا الراهب لن يغيب عن أذهانهم كلما ذكرت المرجئة الملعونة.
10- وقال الإمام الكبير عطاء بن أبي رباح مفتي الحرم ت 114هـ رحمه الله: قال تعالى :(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) فألزم الاسم العمل وألزم العمل الاسم) انظر الإبانة لابن بطة 2/897 برقم (1251).
11- وقال الإمام الكبير إمام الشـام الأوزاعي رحمه الله ت 157 هـ:
(كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل؛ الإيمان من العمل والعمل من الإيمان ،وإنما الإيمان اسم جامع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل … ويقولون (أي المرجـئة) … إن الإيمان قد يطلب بلا عمل). 12- وقال ابن خزيمة رحمه الله ت 311هـ مبيناً معنى الحديث الذي تلقفته المرجـئة الأوائل والمعاصـرون وظـنوه يساعدهم في أن العمل شرط كمال فقال:(هذه اللفظـة "لم يعملوا خيراً قط" من الجنس الذي تقوله العرب فتنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن التمام والكمال فمعنى هذه اللفظة على هذا الاصل (لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال لا على ما أوجـب عليه) وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي) التوحيد لابن خزيمة 2/732 .
قلت:ومن هذا الجنس (ارجع فصل فإنك لم تصل)،وحديث قاتل المائة حيث قالت ملائكة العذاب (لم يعمل خيرا قط)، ومنه قول العرب للفاسق (لا خير فـيه) ونحو ذلك.
13- وقال الملطي الشـافعي رحمه الله ت (377) في كتابه (التنبيه والرد على أهل الاهواء والبدع) – وهو كتاب نفيس- قال : (باب ذكر المرجئة – وقد ذكرتُ المرجئة في كتابنا هذا اولاً وآخراً إذ قولها خارج من التعارف والعقل!!.. ألا ترى أن منهم من يقول : من قال لا اله إلا الله محمد رسول الله وحرم ما حرم الله وأحل ما أحل الله دخل الجنة إذا مات وان زنى وان سرق … وان ترك الصلاة والزكاة والصيام إذا كان مقراً بها يسوف التوبة).
فعد قولهم هذا خارجاً عن عرف العلماء وعقل العقلاء وأقام عليهم حججاً عقلية وهذا هو بعينه القول الذي عم وطم في زماننا .
14- وذكر أهل الفرق أن الفرقة الحادية عشـرة من المرجـئة أصحـاب بشر المريسي وابن الراوندي يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسـان بلا عمل والكفر هو التكذيب والجحود القلبي ومن سجد للصنم أو سب الله فهذه دلالة على الكفر وليست كفراً.
وهذا غاية الانحراف والغلو وهو قول مرجئة عصرنا ، (انظر الفرق بين الفرق لعبد القاهر ومقالات الاسلاميين(1/222) .
15- قال الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ت 1206هـ:
(لا خلاف أن التوحـيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً ) .
16- وقد اتبع علماء عصرنا سبيل السلف في ذلك فقد قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله:
(العمل ما هو بشرط كمال هو جزء من الإيمان هذا قول المرجئة )مقابلة مع مجلة المشكـاة عام 1417هـ .
17- وقال الشيخ صالح الفوزان عن أقوال مرجئة العصر إن أقوالهم هذه هي قول غلاة الجهمية .راجع المقطع المنشور في هذا الموقع.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، ويخزي عدوهم ومن أراد إفساد عقيدتهم وبالله التوفيق ومنه المعونة وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على خيرِ عِباد الله، نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحْبه ومَن والاه.
أمَّا بعد:
لَمَّا ظهَر الإرجاء[1] في عهْد السَّلف، وقَف له أهلُ العلم الرَّاسخون، العالِمون بالدليل وحقيقةِ القول، وما عدَاهم لم يكن له موقِفٌ مشهود، تشهَد بذلك التراجمُ والمصنَّفات التي وصلَتْ إلينا، فإنه متى ما تخلَّل النقص في أحدِ هذين الأصلين: (العلم بالدليل ومقاصِد الشريعة)، و(حقيقة القول المخالِف)، رأيت تخبُّطًا وخلْطًا عجيبًا، إمَّا جناية على الإسلام، وتصويرًا له على غير ما أراده الله، أو رفعة مِن قدْر المقالة المخالِفة، بالتسامُح واللِّين معها مع شناعتها، ومَن يمتاز بهذين الأصلين قليلٌ اليوم، فإنَّك ترى مَن لديه علمٌ بالشَّرْع يصل إلى حدِّ الإحاطة، ولكنَّه ضعيفٌ في سبْر أغوار أقوال المخالفين، فلا يستطيعُ معرفةَ حقائقها، وكشف عوار مكنوناتها، وإمَّا أنْ تجد مَن أُشرِب هذه المقالات على قلَّة بضاعته في العِلم الشرعي، فيظهر لك التخليطُ في كلامه.
وهذا – الأخير – مِن جنس بعضِ رجالِ أهل الكلام الذين حسنُت نيَّتهم، وساءَ عملُهم، بسبب قلَّة عِلمهم بالأدلَّة الشرعيَّة مع عِلمهم العميق بأصول عِلم الكلام، فأرادوا الدِّفاع عن الدِّين، ولكن قلَّة البضاعة الشرعيَّة لم تُسْعِفْهم، وفريقٌ منهم تسرَّبت إليه بعضُ شُبه القوم، فلم يستطعْ أن يدفعَها، فصار ينضح بها فؤادُه، وينمِّقها لسانه (وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضَح).
يقول الإمام النخعي: لَفِتْنتُهم عندي أخوفُ على هذه الأمَّة مِن فتنة الأزارقة[2]، وصدق – رحمه الله – لأنَّ القعود عن التكليفِ تَرْغَبه النفس، بعكس تنطع الخوارج الأزارقة، ونحن نُعاني اليومَ مِن التفلُّت مِن الأوامر، والتقحُّمٍ في المناهي، مع مصيبةٍ أعمَّ وأطمَّ، وهي: تبرير هذا وتسويغه ممَّن اختلَّ عندهم أحدُ الأصلين السابقين، وهم منتسِبون مع هذا للإسلاميِّين.
وبرَز لنا إرجاءٌ فِكري، يحاول مدَّ حبل الوصال بالطائفتين، على غرارِ ما فعل الفلاسفة المنتسِبون للإسلام بيْن الفلسفة والإسلام، فأراد هؤلاء المُحْدَثون تخفيفَ شناعة بعض المقالات وتهوينها مِن جهة، ونبْذ التشدُّد والغلو – بزعمهم – مِن جهة؛ لينتج لنا حينَها – بناءً على رأيهم – الإسلام الوسطي.
ونحن اليومَ في مواجهة سَيْل من الأفكار الهدَّامة، يقِفُ النص الشرعي سدًّا أمامَها، ومتى ما عُدِم النص اجتاحَ السيل الفِكر البشري، فأصبحتِ البشرية حينها أثرًا بعدَ عيْن، وعُدْنا كما كنَّا في ظُلماتٍ بعضُها فوقَ بعض.
وهذا لا يكون مع وجودِ الوحي المنزَّل، ولكن الوحي لا يسيرُ على الأرْض، بل يحمله ﴿ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23].
والإرْجاء الفِكري هو نوعٌ من الخنوع والضعْف أمامَ هذه المقالات، وصاحِبُه عبدٌ لغيرِ منزل الوحي، أسيرٌ لظنون وتخرُّصات تكون تارةً باسم (المصلحة)، وتارةً باسم (المجادلة بالحُسْنَى)، وتارةً أخرى باسم (عدم التشدُّد والغلو)… إلى آخِر هذه القيود والأغلال، التي هي حقٌّ أُريدَ به باطل.
والإرْجاء الفِكري اليوم لا يُصرِّح بمقالات الإرْجاء القديم، ولكن أفكار ذاك القديم تُعشِّش في فِكر هذا الحديث، والمحصِّلة واحدة كما سبق، وهي: (التفلُّت من الأوامِر، والتقحُّم في النواهي)[3]، وكما كان أهلُ الإرْجاء القدماء على درجاتٍ في مقالتهم، فإنَّ أهل الإرْجاء الفكري هم كذلك في فِكْرهم.
من ملامح هذا الإرجاء الفِكري:
أولاً: عدم التصريح بالأحكام الشرعية: فيتهرَّب مَن أصيب بهذا المرَض مِن قول: (حرام)، أو (كفر)، أو (شرك) لِمَا هو كذلك بالنص الشرعي، ويستبدل بهذه الألفاظِ الشرعية أخرى مُبتدعةً هي أخفُّ (حِدَّة ووطأة) – بزعمه – على مخالفيه، أو الناس عمومًا، فيقول: (الأَوْلى ترْكُه) مع علمه بحُرْمته! أو (فيه خلاف) مع أنَّ الخلاف مطروحٌ وغير معتبَر، فيُوحي إلى سامعه بأنَّ الأمر (سهل ميسور).
ثانيًا: عدم استخدام المصطلحات الشرعية: فلا تجد في قاموسِه (كفَّار)، أو (فسَّاق)، أو (منافقون)، فهؤلاء لا يَعيشون على الأرض، وكأنَّهم – لدَى مَن أُصِيب بهذا المرَض العُضَال – تاريخ مندثِر ولَّى، ولا يظنَّ ظانٌّ بأنَّ المطلوب هو إقحام مثْل هذا في الكلام إقحامًا، لا، ليس هذا المراد، بل المقصود: هو التولِّي عن استخدامِ هذا المصطلح الذي هو شرْعيٌّ دلَّتْ عليه النصوص، إلى غيره، فيستخدم (غير المسلمين)، أو (الآخر)، أو يستخدم (أهل التقصير) لِمَن هم رؤوسُ الضلالة والفجور في الأمَّة.
ولا يَخفَى أنَّ المصطلحَ الشَّرْعي هو الذي لا يُطلب به بدلٌ، ولا عَنْه حِولٌ؛ لدقَّة معناه، وعُمْق مرْماه، وقد تكلَّم أهلُ العلم كابن تيمية وغيره في أهميَّة التمسُّك بالمصطلح الشرعي، وأنه يُزيل كثيرًا من الإشكال.
ثالثًا: الذِّلَّة على الكافرين والكِبْر على المؤمنين: وهم بهذا يُعارِضون مرادَ الله – تعالى – حين حكَى حالَ أهل الإيمان فقال: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 54]، وحين أمَر نبيَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾[التوبة: 73]، ولكنَّ أهلَ الإرْجاء الفِكري تجد لديهم تمامَ التودُّد للكفَّار والزنادقة، ولِين الخطاب والتسامُح معهم، مع غِلْظة وشدَّة وجفوة، واستعلاء على إخوانهم مِن أهل الإيمان.
رابعًا: كَتْم بعضِ النصوص الشرعيَّة: تلك التي فيها الوعيدُ والتهديد، أو التي يتوهَّمون شدتَها وعنفَها كالحدود، فيحاولون تجنُّبَ ذِكْرها تمامًا، والتنصُّل منها؛ وكأنَّها غير موجودة أصلاً، مع إبرازهم في المقابل للنصوصِ الشرعية في الوعْد والتسامُح والعفو، وقد خاطَب الله – تعالى – أهل الكِتاب، فقال: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].
خامسًا: محاولة الوقوع على نقطة التقاء مع أصحاب المذاهب: فيكون أحدُهم صامتًا ساكتًا ردحًا طويلاً، والأُمَّة حوله تئِنُّ من أعدائها المختلفين في مشاربهم ومذاهبهم، وكل منهم ينهَش نهشًا، وهو لا يحرِّك ساكنًا، فإذا رأى قولاً لصاحِب فِكْر منحرِف، أو مذهب هدَّام، بادَر بإعلانِ الموافقة، وتعاضد الفِكرة، وهو في هذا كلِّه يغضُّ الطَّرْف عنِ الانحرافات الكُفريَّة، أو البِدعية، أو الهدَّامة، فلا يُنبِّه الناس عليها، فيكون عندَ ذلك الغش الذي يتسرَّب لعمومِ المسلمين: أنَّ الشيخ فلانًا وافق فلانًا، فهو على الخير، فنال تزكيةً لدَى عوامِّ الناس، فلا يمسُّه بعدَ هذا نكير، إلا وصاح الناسُ في المنكِر عليه باطلَه؛ أخْذًا بتزكية مَن أُصيب بالإرْجاء الفِكري من قَبل.
سادسًا: الإكثار دومًا من ذكْر الخِلاف والرُّخص: إنَّ ذِكْر الرخصة للناس، وتخفيف المشقَّة عليهم – واجبٌ شرعي، فإنَّ الدِّين دِينُ يُسْر، لكن أن يكون هذا بكثرة، ويكون المرادُ مِن ذكر الخلاف دومًا هو نقضَ الشريعة، وتخييرَ العامَّة، وإثارةَ شكوكِ مَن لا خلاقَ له مِن دِين أو عِلم بأنَّ الشريعة متناقِضة – فهذا جنايةٌ على الدِّين، ومهما كان مرادُ صاحِب الإرْجاء الفِكري في هذا التيسير على الناس، فأخطأتِ استُه الحفرةَ بهذا، حين جنَح للإرْجاء الفكري دون التيسير، ودعَا الناسَ للزندقة بتخييرهم بيْن أمور الدِّين، التي يَصير بها المرء أخيرًا ليس على دِين الإسلام، فإنَّ مَن له حظٌّ من عِلم، يعلم أنه لا يحقُّ لمسلِم التخيُّرُ بيْن أقوال أهل العِلم لهوى في نفسِه، بل عليه التقليد إنْ كان جاهلاً، واتباع الدليل إنْ كان عالِمًا.
سابعًا: غياب الفِطنة، ومحاولة تأصيل الأفْكار الهدَّامة شرعًا: إنَّ مِن لازِمِ الخنوع والمسكنة الفِكرية، وعدمِ الاعتزاز بالشَّرْع الإسلامي في جميعِ مناحي الحياة – أن يُصبِحَ هذا المصاب بالإرْجاء الفكري مُسوِّغًا لمشاريع التيارات المنحرِفة، مسبغًا عليها مظلَّة شرعية، خادِعًا بها الراعي والرعية، فيسألونه (أو ربَّما تبرَّع هو محتسبًا) لبيان حُكم العمل للمرأة – مثلاً – وأنَّه كشُرْب العسل، مع أنَّ أهل الأهواء لا يُريدون عملَ المرأة لذاته، بل لِمَا وراءَه مِن إخراج المرأة المسلِمة، وإفسادها، وهل جادَل أحدٌ من أهل العِلم في عملها مع الضوابطِ، حتى يحتسبَ هذا المصابُ بالإرْجاء الفِكري لبيان الحكم؟!
ولنا في ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – قدوةٌ حَسَنة حين سألَه مَن في عينيه شرَرٌ عن توبة القاتِل؟ فقال له: لا تُقبل، وسألَه مَن في سيْفه دمٌ عنها، فقال: تُقبل، فسأله مَن حوله عن هذا، فقال: علمت أنَّ ذاك إن قلتُ له: يقبلها الله، ذهَبَ فسفَك دمًا حرامًا، وأنَّ الآخَر أتاني نادمًا فلم أقنِّطْه.
ويقول الشيخ أحمد شاكِر – رحمه الله تعالى – في هذا الباب: لا يزال كثيرٌ من الناس يذكرون ذلك الجدالَ الغريب الذي ثار في الصُّحف بشأن الخِلاف في جواز ولايةِ المرأة القضاء!
والذي أثارَ هذا الجدالَ هو وزارةُ العدْل؛ إذ تقدَّم إليها بعضُ (البنات) اللائي أعطين شهادةَ الحقوق، ورأين أنهنَّ بذلك صِرْن أهلاً لأنْ يَكُنَّ في مناصبِ النيابة؛ تمهيدًا لوصولهنَّ إلى ولاية القضاء، فرأتِ الوزارة ألاَّ تستبد بالفصْل في هذه الطلبات وحدَها، دون أن تستفتيَ العلماء الرسميِّين.
وذهَب العلماء الرسميُّون يتبارَوْن في الإفْتاء، ويحكُون في ذلك أقوالَ الفقهاء: فمِن ذاكرٍ مذاهبَ أبي حنيفة في إجازة ولايتها في الأموالِ فقط، ومِن ذاكرٍ المذهب المنسوب لابن جرير الطبري في إجازة ولايتها القضاءَ بإطلاق، ومِن ذاكرٍ المذهبَ الحقَّ الذي لا يُجوز ولايتها القضاء قطُّ، وأنَّ قضاءَها باطلٌ مطلقًا، في الأموالِ وغير الأموال.
سألتْ وزارة العدل العلماءَ فأجابوا، ولستُ أدري لِمَ أجابوا؟! وكيف رضُوا أن يجيبوا في مسألةٍ فرعية، مبنيَّة على أصلين خطيرين مِن أصول الإسلام، هدَمَهما أهلُ هذا العصر، أو كادوا.
ولو كنتُ ممَّن يُسأل في مِثْل هذا، لأوضحتُ الأصول، ثم بنيتُ عليها الجواب عن الفرْع أو الفروع.
فإنَّ ولايةَ المرأة القضاءَ في بلدنا هذا، في عصرنا هذا – يجب أن يسبقَها بيانُ حُكم الله في أمرين بُنِيتْ عليهما بداهةً:
أولاً: أيجوز في شرْع الله أن يُحكَم المسلمون في بلادِهم بتشريعٍ مقتبَس عن تشريعات أوربة الوثنيَّة الملحِدة، بل بتشريع لا يُبالي واضعُه أوَافَقَ شِرعةَ الإسلام أم خالفها؟!
ويصرحون – ولا يستحيون – أنهم يَعْملون على فصْلِ الدولة عن الدِّين! وأنتم ترَوْن ذلك وتعلمون، أفَيَجوز مع هذا لمسلِم أن يعتنق هذا (الدِّين) الجديد؟! أعْني (التشريع) الجديد! أوَ يجوز لأبٍ أن يُرسِلَ أبناءَه لتعلُّم هذا واعتناقه، واعتقاده والعمل به، ذَكَرًا كان الابن أو أنثى، عالِمًا كان الأبُ أو جاهلاً؟!
وثانيًا: أيجوز في شرْع الله أن تذهَبَ الفتيات في فورةِ الشباب إلى المدارس والجامعات؛ لتدرسَ القانون أو غيره، سواء ممَّا يجوز تعلُّمه وممَّا لا يجوز؟! وأن يختلطَ الفتيانُ والفتياتُ هذا الاختلاطَ المعيب، الذي نراه ونسمع أخبارَه، ونعرف أحواله؟!
أيجوز في شرْع الله هذا السُّفورُ الفاجِر الداعر، الذي تأْبَاه الفِطرة السليمة، والخُلُق القويم، والذي ترْفُضُه الأديان كافَّةً، على الرغم مما يظنُّ الأغرار وعُبَّاد الشهوات؟!
يجب أن نجيبَ عن هذا أولاً، ثم نبحث بعدُ فيما وراءَه.
ألا فلْيُجبِ العلماء، وليقولوا عمَّا يعرفون، وليبلِّغوا ما أُمِروا بتبليغه، غيرَ متوانين ولا مقصِّرين.
سيقول عني عبيدُ (النسوان) الذين يحبُّون أن تَشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا: أنِّي جامد، وأنِّي رجعي، وما إلى ذلك مِن الأقاويل، ألاَ فليقولوا ما شاؤوا، فما عَبَأْتُ يومًا ما بما يُقال عنِّي، ولكنِّي قلتُ ما يجب أنْ أقول؛ انتهى كلامه – رحمه الله تعالى[4].
وإنَّما أطلتُ في هذا؛ لفشوِّه اليومَ بيْن طلبة العلم، وموافقته لشهوةِ الرياسة وحبِّ الظهور، وما عَلِم المسكين (صاحب الإرْجاء الفكري) أنَّ مَن كذا حاله رُمِي بعد إتمام الغرَض منه، وكثُر ذامُّوه، وقلَّ حامدوه أو عدموا!
وأعظَم مِن هذا: أنَّ الله هو الذي مدْحُه زَيْن، وذمُّه شَيْن، وإذا أحبَّ الله عبدًا أمَر جبريل أن يحبَّه فيحبه، ثم ينادي في الملائكة أنَّ الله يحبُّ فلانًا فأحبوه فيحبونه، ومَنِ ابتغى رِضَا الله بسخط الناس، رَضِي الله عنه وأرْضى عليه الناس، ومَنِ ابتغى سخطَ الله برضا الناس، سخِط الله عليه وأسْخَط عليه الناس.
ومَن تمسَّك بالنصِّ الشرعي، وأذْعَن له فكره، وخضَع له عقله، نجَا مِن هذا الإرْجاء، مع تعلُّق بفَهْم السلف الصالح لا سواه، والبُعْد عن المُحْدثات الفِكرية، أو محاولة تطويعِ الدِّين بما لم يأذنْ به الله، والعِلم النظري بأنَّنا في زمن الفِتن كما قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فِتن كقِطَعِ الليل المظلم، يُصبِح فيها الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، أو يُمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دِينَه بعرَض من الدنيا قليل)).
ثم تَطبيق هذا العِلم النظري، مع دعاءِ الله بالثبات، كما كان يفعل – صلَّى الله عليه وسلَّم – حينما يُكثِر من قول: ((اللهمَّ يا مقلبَ القلوب والأبصار، ثبِّتْ قلبي على دِينك))، ويسأل الله حسنَ الخاتمة.
أسأل الله لي ولكم حسنَ الخاتمة.
ــــــــــــــــــــــ
[1] المرجئة طوائف، يجتمعون في إخراجِ العمل عن مسمَّى الإيمان، وظهروا في أواخِر عهد الصحابة؛ انظر "الملل والنحل"؛ للشهرستاني (1/139)، ومجموع الفتاوى (7/297)، فما بعدَها.
[2] مجموع الفتاوى (7/394).
[3] سبق أنَّ المرجئة درجات في الغلو، ومنهم وإن كان يخرج العملَ عن مسمَّى الإيمان، إلا أنَّه يحرِص على العمل، ويحثُّ عليه، ويحتفي بأهلِه كمُرجِئة الفقهاء.
[4] انظر جمهرة مقالات أحمد شاكر (2/591) فما بعدها.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/10331/24215/#ixzz1O9Jis3n5
تتميما للفائدة المرجوة من النقولات العلمية السابقة انقل اليكم
هذه الفائدة لتسعدوا وترشدوا ثبتنا الله وإياكم علي الحق الواحد
الذي لا تعدد فيه ولا اختلاف
——————————————————————————–
الأمر الأول
————
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الأمر الأول وما أدراك ما الأمر الأول
إنه رمز الصفاء والنقاء والعمق والصدق والراحة من أعباء المحدثات من الدين. إنه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
عبادتهم لم تكن كثيرة من حيث الكم ولكنها حسنة متقنة خالصة صادقة ولذلك نفعتهم
علمهم لم يكن في آلاف المجلدات لكنه كان علما نافعا عميقا غزيرا نقيا بعيدا عن التكاثر والتكلف
دعوتهم لم تكن متكلفة همها ابتكار الأساليب لتجميع الناس وإرضائهم لكنها الصدع بالحق كما هو، لا كما يريد الناس، ومع ذلك صبروا على صعوبة البداية ونفرة الناس من الحق لثقله، ثم فاء الناس إليهم ودخلوا في دين الله أفواجا
جهادهم جهاد الرحمة والدعوة للإسلام، دانت جزيرة العرب كلها بالتوحيد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يزهق في سبيل ذلك إلا بضع مئات من أنفس الكفار وهذا من عظم البركة أن تحصل أعظم النتائج بأقل الأسباب، وسبب ذلك الإخلاص والصدق والمتابعة
أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كان ديدن كل أحد مع كل أحد قريبا كان أو بعيدا، أيقنوا أنهم لم يكونوا خير الأمم التي (أخرجت) للناس إلا بهذا فلا تراهم إلا متناصحين متواصين صادقين يأخذون على يد الظالم ويأطرونه على الحق أطرا دون انتقام أو تشفي، وإنما حتى لا تغرق السفينة ولئلا يكونوا كالذين لا يتناهون عن منكر فعلوه
حياتهم الإجتماعية بعيدة كل البعد عن التفاخر والتكاثر والتكلف، قائمة على التواد والتعاطف والتناصر والتراحم والمحبة، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى، وكالبنيان يشد بعضه بعضا، إنها مشبعة بالرضا عن الله وعن تدبيره فالفقير راض والغني راض، والأمير راض والرعية راضون
قلوبهم كانت والله أرغب في الآخرة وأزهد في الدنيا برئاساتها وجاهها وأموالها وشهرتها. قلوب سليمة طاهرة نقية خاشعة
ماذا نقول عن كل جانب من جوانب حياتهم إلا أنه أكمل شيء وجد في هذه الأمة وصدق الصادق المصدوق حيث قال (خير القرون القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فهلموا بنا نقترب من ذلك الأمر الأول الذي كانوا عليه، ذلك النور لنستضيء به ونقتبس منه ولو لم نغنم إلا محبتهم والتشبه بهم فإن المرء مع من أحب
قال ابن مسعود رضي الله عنه إنكم ستحدثون أو يحدث لكم فأيما امرأة منكم او رجل أدرك ذلك فعليه بالأمر الأول والسمت الأول فإنكم اليوم على الفطرة
هذا مزيد بيان لمن لم يستوعب المسألة
تبرئة أئمة الدين من مخالفة إجماع الصحابة السابقين
في
تكفير تارك الصلاة تهاونًا وكسلا
( وقفة مع الأسطورة الشهيرة القائلة: إن جمهور العلماء خالفوا إجماع الصحابة فلم يكفروا تارك الصلاة تهاونًا)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،،
فيقول القائل:
ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت على عينه حتى يرى صدقها كذبا
كثيرًا ما يقرأ طلبة العلم منذ المائة الخامسة وما بعدها أن جمهور العلماء لا يكفرون تارك الصلاة تهاونًا ومنهم أئمة الحديث الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، ثم يقع هؤلاء الطلبة في حيرة والتباس إذا قرأوا أن الصحابة قد أجمعوا على كفر تارك الصلاة ثم خالف هؤلاء الأئمة إجماع الصحابة وهذه من المسائل المشكلة والمحيرة في الفقه.
ولكن بعد أن نثبت هنا إجماع الصحابة القاطع – وهو الإجماع الصحيح المنضبط وما سواه لا يمكن ضبطه ولا ادعاؤه – ثم نثبت الأقوال الثابتة لهؤلاء الأئمة؛ سيتبين أن تلك الدعوى ما هي إلا من الأساطير العارية عن الحجج والبينات والتي قد سارت بها الركبان لموافقتها لأهواء النفوس.
أولاً: إجماع الصحابة:
أول من حكى إجماع الصحابة هم الصحابة أنفسهم فألفاظهم تدل على عدم اختلافهم في ذلك وتعجبهم ممن يسأل عن ترك الصلاة أو يقرنه بغيره من الذنوب.والآثار في ذلك كثيرة موجودة في أبواب الإيمان في كتب العقائد منها: لما سئل جابر رضي الله عنه :هل في المصلين مشرك؟ قال لا، لم يكونوا يدعون في المصلين مشركاً. وقال له مجاهد بن جبر: ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقال مباشرة: الصلاة. ومثله عن ابن مسعود وحذيفة وأنس وغيرهم وقد قال عمر على المنبر وهم متوافرون( لا إسلام لمن لم يصل) وأعادها لما أحاطوا به بعد طعنه ولم ينكره أحد. فإن لم يصح هذا الإجماع فلا إجماع في الدنيا.
ثم حكى إجماع الصحابة طوائف من العلماء ومن أقوى ما ورد في حكاية إجماع الصحابة سنداً ومتناً ومكانة قائله ما رواه محمد بن نصر المروزي عن شيخه الإمام إسحاق بن راهويه في كتابه تعظيم قدر الصلاة ص(565) حيث قال "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".
ثانياً: تحقيق مذاهب الأئمة في تكفير تارك الصلاة:
اشتهر عن الأئمة الثلاثة -مالك والشافعي وأحمد في رواية -أنهم لا يكفرون تارك الصلاة كسلاً. وهذا مخالف للحقيقة على النحو التالي
أولاً: مذهب الإمام مالك رحمه الله:
يعتبر «ابن أبي زيد القيرواني» هو جامع علم مالك وفتاواه حتى سمي «مالك الصغير» وعليه يعول المالكية في كتبهم، ولو لم يؤلف إلا كتابه العظيم «النوادر والزيادات» الذي جمع كل فتاوى مالك ومسائله مما لم يرد في الموطأ أو المدونة لكفاه.
ويوازيه في هذه المنزلة «البيهقي» عند الشافعية فهو جامع علم الشافعي وفتاواه.
«والخلال» عند الحنابلة فقد جمع مسائل أحمد وعلومه في جامعه من أكثر من مائة من أصحاب أحمد بينما لم يصلنا من هذه المسائل سوى عدد لا يبلغ أصابع اليدين،فعلى هؤلاء الثلاثة بنيت المذاهب الثلاثة، من حيث جمع المذهب وتحريره.
وقد ذكر أبو محمد بن أبي زيد القيرواني في آخر كتابه «النوادر والزيادات» مسألة كفر تارك الصلاة (14/537)فقال "قال ابن حبيب: وأما تارك الصلاة إذا أمره الإمام بها فقال: لا أصلي فليقتل ولا يؤخر إلى ما بينه وبين آخر ووقتها وهو بتركها كافر؛ تركها جاحدًا أو مفرطًا أو مضيعًا أو متهاونًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة … »… وقاله كله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ ورواه ابن القاسم ومطرف عن مالك مجملاً بغير تلخيص.
ثم تأول القيرواني الحديث المذكور بالجحد وعارضه بحديث عبادة. ولكنه لم ينسب ذلك لمالك. و كذلك ابن عبدالبر في التمهيد وهو حجة في معرفة مذهب مالك لما حكى القول بعدم التكفير نسبه لأصحاب مالك ولم ينسبه لمالك مع أنه يميل إلى هذا القول_ مع اضطراب عنده في ذلك_ وكذلك ابن أبي زيد يميل إليه،ولو ظفروا لمالك بكلمة لما تأخروا في نقلها والاستناد إليها.
وقد تتبعت كثيرًا من كتب المالكية فلم أعثر على كلمة لمالك في عدم التكفير يخالف بها إجماع الصحابة،بل لم ينقل عنه الطحاوي إلا القول بالتكفير وسيأتي.
ثانياً: مذهب الإمام الشافعي رحمه الله:
يعتبر «إسماعيل المزني» (ت264هـ) من علية أصحاب الشافعي وهو الذي غسله عند موته،ولا يتقدمه أحد من أصحاب الشافعي حتى قال فيه الشافعي: «المزني ناصر مذهبي».
ومختصر المزني الذي اختصر فيه «الأم» وحرر فيه أقوال الشافعي هو أصل المذهب كله. قال ابن العماد: «وهو أصل الكتب المصنفة في المذهب وعلى منواله رتبوا ولكلامه شرحوا». ومع ذلك قال المزني في مختصره (ص53) يحكي قول شيخه وهو أعلم الناس به: «قال الشافعي: يقال لمن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر: لا يصليها غيرك فإن صليت وإلا استتبناك فإن تبت وإلا قتلناك،كما يكفر فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك». قال المزني: «قد جعل تارك الصلاة بلا عذر كتارك الإيمان (التوحيد) فله حكمه في قياس قوله؛ لأنه عنده مثله».
وهذا «أبو جعفر الطحاوي» وهو ابن أخت المزني، وأخذ مذهب الشافعي عن خاله ثم انتقل لمذهب أهل الرأي وهو من أبصر الناس بالشافعي وباختلاف العلماء،ومع ذلك ذكر أن مذهب الشافعي هو تكفير تارك الصلاة، ولم يذكر في ذلك وجهًا آخر له.قال في كتابه مختصر اختلاف العلماء(4/393): " قال حفاظ قول مالك: إن من مذهب مالك أن من ترك صلاة متعمداً لغير عذر حتى خرج وقتها فهو مرتد ويقتل إلا أن يصليها وهو قول الشافعي ؛ روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام(بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)".
وقد قرأت الأم وكتب الشافعي فلم أجده نص على عدم كفر تارك الصلاة إلا ما نسبه إليه «محمد بن نصر المروزي» في كتابه: (تعظيم قدر الصلاة) مع أبي ثور، وأبي عبيد.
ثالثًا: مذهب الإمام أحمد رحمه الله
جامع الخلال العظيم الذي جمع فيه كل أقوال أحمد وعلومه مفقود، لكن من رحمة الله وفضله أن وجدت منه قِطعٌ يسيرةٌ والذي وجد مما تمس له الحاجة مثل (السنة) و(أحكام الزنادقة) وإلا فالأصل يبلغ عشرين جزءًا كبيرًا.
وقد نقل الخلال كل فتاوى أحمد في تارك الصلاة في كتابه (أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض من كتابه الجامع) (2/535).
واستوعب الخلال كعادته كل ما نقل عن أحمد في المسألة بما لا يستطيع أحد الزيادة عليه فعقد بابًا بعنوان (من ترك الصلاة فقد كفر) ثم نقل عشر روايات عن أصحاب أحمد وهم:
(عبدالله بن أحمد – واليمامي – والإسكافي – وأحمد بن حسان – وحنبل – وحرب الكرماني – والمروذي – وأبو الحارث الصائغ – والميموني – وأبو داود السجستاني)، وكلهم ينقل عن أحمد تكفيره. وفي رواية اليمامي قال: «لا يرث ولا يورث» وفي رواية ابنه عبدالله احتج بحديث جابر: «بين العبد والكفر ترك الصلاة» وفي رواية الإسكافي قال: «لا أعرف الحديث إلا على ظاهره وأما من فسره جحودًا فلا نعرفه وقد قال عمر: «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة» وفهم أحمد من كلام عمر أن تارك الصلاة لا حظ له في الإسلام مطلقًا فهو كافر.
وفي رواية ابن حسان قال: «ليس بين الإيمان والكفر إلا ترك الصلاة» وفي رواية حنبل قال: «لم نسمع في شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة» وكذا في رواية حرب واحتج بالحديث.
وفي رواية أبي بكر المروذي وقد سأله عمن ترك الصلاة استخفافًا ومجونًا فقال: «سبحان الله إذا تركها استخفافًا ومجونًا فأي شيء بقي». حتى عاتب المروذي فقال: «هذا تريد تسأل عنه؟! وقد قال عليه الصلاة والسلام: «بين العبد والكفر ترك الصلاة»».
وفي رواية أبي الحارث أفتى أحمد بكفره بمجرد الترك واحتج بالحديث فأعاد عليه السؤال وقال السائل: هو كان مواظبًا على الصلاة ثم تركها وقال لا أصلي ولم يقل الصلاة غير فرض (أي لم يجحد) فقال أحمد: قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من ترك الصلاة فقد كفر».
وقال في رواية الميموني: «لم يجيء في شيء ما جاء في الصلاة».
وكذا حكى عنه أبو داود تكفير تارك الصلاة.
ثم ساق الخلال عشر روايات أخر عن ابنه صالح، والمروذي، وحنبل، والكحال، وابن هاني، والكوسج، والفضل بن زياد، وأبي الحارث الصائغ، والميموني، وابنه عبدالله، أنه يستتاب ثم يقتل، في باب مستقل.
ثم عقد بابًا بعنوان: (باب الرجل يترك الصلاة حتى يخرج وقتها). وساق فيه تسع روايات، والعاشرة بسنده إلى عبدالله بن المبارك أنه قال: «إذا قال: أصلي الفريضة غدًا فهو عندي أكفر من الحمار».
وفي هذا الباب ساق رواية أبي طالب وسنقف عندها؛ لأن بعض الحنابلة في المائة الخامسة من الهجرة توقف عندها وترك عشرات الروايات المحكمات مع أنه لا حجة فيها كما سيأتي:
روى الخلال بسنده إلى أبي طالب أنه سأل أبا عبدالله عن قول النبي عليه الصلاة والسلام : ««من ترك الصلاة فقد كفر» متى يكفر قال: إذا تركها، وبعضٌ يقول: إذا جاز وقت الصلاة التي ترك كفر ويدخل عليهم قول النبي عليه الصلاة والسلام : «يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها» فقد قال عليه الصلاة والسلام : «يؤخرون الصلاة عن الوقت» قلت: إذا ترك الفجر وهو عامد ثم جاء الظهر ولم يصل ثم صلى العصر وترك الفجر فقد كفر؟! قال هذا أجود القول… إلى قوله: إذا تركها حتى يصلي صلاة أخرى فقد تركها فقلت: فقد كفر؟ قال: الكفر لا يقف عليه أحد ولكن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه».
وهذا لا حجة فيه أمام عشرات الروايات السابقة، بل أول هذه الرواية فيه التصريح بكفره ولكن لعل أحمد رحمه الله أراد من تلميذه التثبت في إطلاق الكفر أو أراد أن الذي على العالم الحكم في الدنيا حسب النصوص، وأما حقيقة الأمر فهي إلى الله ونحو ذلك.
وهذا يفتح بابًا للمحققين من أهل العلم أن كثيرًا مما ينسب لأحمد رحمه الله لا يصح أن يطلق عليه رواية ثانية . بل له ظرفٌ معين أو سبب معين، وكلامه المطرد واضح .
ولكن مع التعصب المذهبي ورغبة الأتباع أن يكون لإمامهم قول في كل مسألة فإن لم يجدوا خرجوا على قوله نسبت للأئمة أقوالٌ كثيرة لم يقولوها.
ومما يدل أن كلام أحمد لم يختلف أن الخلال عقد بابًا بعده في ترك الصيام وساق رواية الميموني فيمن قال: «الصوم فرض ولا أصوم» فقال أحمد: «يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه». ثم ساق رواية الأثرم: «أن الإمام سئل هل تارك الصوم مثل تارك الصلاة، فقال الصلاة أوكد . وإنما جاء في الصلاة (أي الكفر) فليست كغيرها». وساق رواية أبي طالب نفسه أن أحمد قال: «ليس الصوم مثل الصلاة والزكاة، لم يجيء فيه شيء، ولا نجعله مثل الصلاة والزكاة».
وهذا يدل على أن الأئمة يفصلون بين مسألة قتل التارك وتكفيره، وأكثر كلامهم في قتله واستتابته، ولا يعني ذلك عدم تكفيره.
وفي أحد الأبواب أفتى أحمد الزوج أوالزوجة -إذا كان صاحبه الآخر لا يصلي- فقال: «فلا يجوز له البقاء ولابد من التفريق».
خاتمة:
هذا ما وجدته من كلام أهل العلم المقتدى بهم ولم أجد ما يعارضه إلا عند المتأخرين وهؤلاء خالفوهم في العقائد غالباً وهم يعلمون كلامهم فلا يستغرب منهم أن يحرفوا هذه المسألة عن مواضعها. ولذلك فهذه المسألة إجماعية لا خلاف فيها معتبر وهي عمود الدين وأدلة هذا الإجماع القطعية سأجمعها في مقال آخر بإذن الله. فمن وجد ما يخالف هذا الإجماع فليبصرنا وليرفع رأسه وعقيرته بذلك حتى يحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة. والله الموفق والمعين وعليه التكلان وبه الاستعانة ولا حول ولا قوة إلا به وصلى الله على نبيه محمد.
إنَّ التوحيد ، هو سرُّ القرآن ولبُّ الإيمان ، فإذا تَبيَّن له منَ العلم ما كانَ خافيًا عليه اتَّبعه وليسَ هذا مُذَبذَبًا ، بل هَذا مهتدٍ زادَهُ الله هدًى
كلام الربيع في تارك العمل وخروجه من الإسلام، والردّ على من رماه بالاضطراب في مسائل الإيمان
« في: 04 أكتوبر 2010 , 04:34 am »
اقتباس
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ، وبعد :
وقفت على مقالة كتبها أحد كتاب شبكة الأثري! الحدادية ، يزعم فيها أن الشيخ ربيعا حفظه الله عنده اضطراب في مسائل الإيمان!!، وذلك لأنه تارة يقول بأن تارك العمل بالكلية كافر وينسب هذا القول لأهل السنة ، وتارة يقول أن تارك العمل ليس كافرا!، وتارة يقول أنه لا يجوز لمسلم أن يتردد في تكفير تارك العمل ، وتارة يثني على الكتب التي تؤيّد القول بأن تارك العمل بالكلية مسلم ولم يخرج من حظيرة الإسلام!.
فأقول :
وكمْ مِنْ عَائِبٍ قَولاً صَحيحًا***وآفَتهُ مِـنَ الفَهـمِ السّقِيـمِ
ولكِـنْ تَأخـذُ الآذان مِنـهُ***عَلَى قَدَرِ القَرائِـحِ والعُلُـومِ
وقال العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- :
((إذا كان ولابد من نقل كلام أهل العلم فعليه أن يستوفي النقل من أوله إلى آخره , ويجمع كلام العالم في المسألة من مختلف كتبه حتى يتضح مقصوده , ويرد بعض كلامه إلى بعض ولا يكتفي بنقل طرف ويترك الطرف الآخر؛ لأن هذا يسبب سوء الفهم وأن ينسب إلى العالم ما لم يقصده)).اﻫ.
مقدمة كتاب"رفع اللائمة" صحيفة رقم 5
فاعلم يا طالب الحق أن الشيخ ربيعا حفظه الله عندما يطلق لفظة ( تارك العمل ) قد يعني بها :
1- " إنسان يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله ولا يعمل أيّ عمل أبدا من أوّل حياته إلى آخرها !!! " ، وهذا الرجل الشيخ ربيع حفظه الله يكفّره وينكر أشد الإنكار على من لا يكفّره بارك الله فيك ، ويقول هي صورة خيالية لا حقيقة لها ويجب على السلفيين الابتعاد عنها …
2- وقد يعني بها " إنسان ترك الصلاة وبقيّة الأركان والمباني " ، وصاحب هذه الصورة لا يكفّره الشيخ ربيع سلمه الله ، وينسب القول بعدم تكفيره إلى جمهور أهل السنة ، وهو الحق الذي لا ريب فيه ، ولا يعني بطبيعة الحال هنا هذه الصورة الخيالية التي أنكرها أولا !! ، لذا تجد الشيخ يثني على بعض الكتب التي تقرر أن تارك العمل ليس كافرا من هذا الباب.
فإذا عرفت معنى لفظة ( تارك العمل ) في كلام الشيخ الربيع حفظه الله؛ وأنه قد يقصد بها (كل العمل) أحيانا، و(غالب العمل) أحيانا أخرى، وتيّقنت من ذلك ، زال الإشكال واتضح المقال إن شاء الله تعالى، وتبددت عندك هذه الشبهة التي يروّجها هؤلاء المبطلون، فاعرف هذا واحفظه بارك الله فيك.
وقد قال الشيخ ربيع حفظه الله في مكالمة هاتفية مُسجّلة على شريط بعنوان " دفاع عن الألباني " , توزيع مؤسّسة مجالس الهدى بالجزائر الشقيق :
" السائل : اتصلت بالشيخ العثيمين -حفظه الله- و سألته بعض المسائل , من بين المسائل يا شيخ قلت له هل يتصوّر أن يوجد مسلم يؤمن بالله و اليوم الآخر و لا يقوم بأيّ عمل من الأعمال الظاهرة لا الواجبة ولا المستحبة ؟ فقال لي : لا يتصور ذلك والشيخ علي الحلبي قال لي : إنّه يُتصوّر ذلك .
الشيخ : و أنا أؤيد فتوى ابن عثيمين و أقول لا يتصور لأنّ هذه الأمور خيالية فرضيّة , هذا لا يمكن حتّى من يهودي ولا نصرانيّ ,إنسان يؤمن بالربوبيّة فقط لابدّ أن يعمل المشركون كانوا في الجاهليّة يتحركون يا أخي , كيف إنسان يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله لا يعمل أيّ عمل أبدا من أوّل حياته إلى آخرها , هذه أمور فرضيّة ما كان يقولها السّلف … و فعلا ما يتصور أنّ إنساناً يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله و يؤمن بالجنّة و النّار و الرسل و الكتب و…و..ثمّ لا يعمل أبدا ,لا يتصور هذا , لا بدّ أن يعمل حتّى و لو كان منافقا , يعمل أعمالا ظاهرة , فأنا أرى أنّ السلفييّن يبتعدون عن هذه الفرضيّات .
السائل : يعني شيخنا لا يضرّ أن نقول جنس العمل أو غير ذلك فالعبرة بالحقائق ؟
الشيخ: يا أخي أنا أقول الفلسفات يجب أن نبتعد عنها , أنا أقول لا أتصور مسلماً ولا يهودياً ولا نصرانياً ولا وثنيّاً لا يعمل خيراً أبدا ,هندوكي يعبد البقر يعمل خيرا ,كيف إنسان مسلم طول حياته يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله ثمّ لا يعمل عملا قطّ, هذا كلام خيال .
السائل : يعني شيخنا لا نحتاج أن نقول جنس العمل شرط ما دام أنّ هذا لا يتصور ؟
الشيخ : نقول كما قال السلف : الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وفي تارك الصلاة الخلاف جار بين السلف فمن ترجح له التكفير لا نلومه إذا اتّقى الله و اجتهد و ترجح له التكفير لأنّ هذا من مسائل الاجتهاد فلا نلومه و لا نختصم معه هو أخونا , و من ترجح له عدم التكفير لا نقول عنه مرجئا , و الذي يكفر تارك الصلاة لا نقول عنه خارجيّ ,عرفت؟
السائل : نعم.
الشيخ : يعني جنس العمل و الصلاة هذه لا ندخل فيها لأنّ قضيّة الصلاة مفروغ منها اختلف فيها العلماء , و جنس العمل أمر خيالي فرضي لا ندخل في المتاهات هذه , نقول الإيمان قول و عمل واعتقاد و لا بدّ من العمل و الذي يقول العمل ليس من الإيمان فهو مرجئٌ ضالٌّ. حيّاكم الله . اهـ
السائل : جزاكم الله خيرا." انتهى كلامه حفظه الله تعالى
والمصدر من هنا
ويا ليت إخواننا يلتزمون بنصيحة الربيع التي يجب أن تُكتب بماء الذهب ، وذلك حين قال :
" فإذا كان لابد من الكلام فيها – يعني مسألة جنس العمل وتارك العمل – فيكون من العالم الفطن عند الحاجة كأن يسأله تكفيري عن كفر تارك جنس العمل فيقول له هذه كلمة مجملة فماذا تريد بها فبين لي ما تقصده ، فإن ذكر له صورا باطلة ردها عليه بالحجة والبرهان، وإن ذكر الصورة السابقة – يعني الصورة الخيالية التي ذكرناها آنفا (1) – قال له هذا حق وأنا معك ولكني أحذرك من التلبيس على الناس بذكر غير هذه الصورة . فهذا ما أقوله وأنصح به السلفيين في هذه المسألة وأنصحهم بشدة عن تعاطي أسباب الخلاف ومثيراته.
والحرص على ما يؤلف القلوب ويجمعها على الحق بالحكمة والرفق .
أسأل الله الكريم تبارك وتعالى أن يجمع كلمة أهل السنة والمسلمين عموماً على الحق والهدى وأن يجنبهم أسباب الخلاف والفتن ."
انتهى كلامه حفظه الله تعالى ..
المصدر : مقالة للشيخ ربيع حفظه الله بعنوان " كلمة حق حول جنس العمل " ، من هنا
وقال الشيخ ربيع -حفظه الله-: (أرى أن تارك كل العمل كافر زنديق..).
وقال-حفظه الله-: (ولقد صرحت مرارًا بأني أوافق أهل السنة فيما حكموا به على تارك العمل بالكلية).
وقال-حفظه الله-رادًا على بعض المخالفين:
(ويقول عني إنِّي خالفت السلف في جنس العمل وفي قضايا الإيمان وهو الكذوب, وإذا رجع المسلم المنصف إلى كلامي يجده مطابقاً لمنهج السلف ولما قرَّرُوه ويجد في كلامي التصريح بأنَّ تارك العمل بالكلية كافر زنديق).
وقال-حفظه الله-رادًا على بعض المخالفين:
(فقد صرحت مرارًا بتكفير تارك العمل ولكن الحدادية لهم أصل خبيث، وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج).
أنا قلت مرارًا: (إن تارك العمل بالكلية كافر زنديق، لكني نهيت عن التعلق بلفظ جنس لما فيه من الإجمال والاشتباه المؤدي إلى الفتن، وبينتُ أنه لا وجود له في الكتاب والسنة ولا وجود له في كلام الصحابة الكرام-رضي الله عنهم-ولا أدلة أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان، وبينت غرابته على اللغة العربية واضطراب أقوال أهل اللغة في معناه). بينتُ ذلك بياناً شافياً لمن يريد الحق، ويتنـزه عن الفتن والشغب، ولكن الحدادية لإفلاسهم من الحجج التي يخاصمون بها أهل السنة استمروا في التشبث به شأن أهل الأهواء في التعلق بالمقالات الباطلة والألفاظ التي لم ينطق بها الكتاب والسنة.
فلفظ(جنس): مثل لفظ(الجوهر)و(العرَض)و(الجبر)و(الحيز)ونحوها من الألفاظ الباطلة، التي أوقعت أهل الكلام على اختلاف أصنافهم في الضلال وتعطيل صفات الله ذي الكمال والجلال.
وهكذا لفظ(جنس)وغيره من العبارات الباطلة، التي تعلق بها الحدادية فأوقعهم في البدع وعداوة أهل السنة وتضليلهم.) انتهى كلامه حفظه الله تعالى.
انظر إتحاف أهل الصدق والعرفان بكلام الشيخ ربيع في مسائل الإيمان ص( 219- 234).
وكم نتمنّى من مشايخنا ومن طلاب العلم أن يبيّنوا مقصودهم من لفظة (تارك العمل بالكلية) في كتاباتهم وردودهم ، وذلك حتى لا يقع طلاب العلم في الحيرة والشكّ، وكذلك حتى نسدّ الباب على هؤلاء الغلاة الطاعنين في مشايخنا كالربيع حفظه الله، والإمام الألباني رحمه الله.
وغلاة موقع الأثري! قوم بهت، يحرصون على رمي الربيع بالإرجاء ! أو الدفاع عن المرجئة !، وذلك بسبب الحسد الذي أكل قلوبهم وأفسد عقولهم، والربيع حفظه الله ليس معصوما من الخطأ ، ولكنه يوافق مذهب السلف في مسائل الإيمان جملة وتفصيلا كما هو ظاهر لكل ذي عينين ، وتسرّع بعض إخواننا السلفيين في نسبة الأقوال الباطلة للشيخ ربيع من غير تحقيق هو ما يسبب هذه المشكلة، ويفتح الباب لهؤلاء الغلاة للطعن في الشيخ ربيع حفظه الله ، والله المستعان..
وتكملة لما بدأته في المقالة؛ أقول ردّا على شبهة يرددها بعض من لا يفهم، أو من لا يريد أن يفهم !…
قالوا -سددهم الله- ما معناه :
( الشيخ ربيع مضطرب في هذه المسألة !، ومحاولة الدفاع عنه بهذا التكلّف(!) هي محاولة يائسة لتغطية الشمس بغربال !، بل ما تذكرونه هو دليل على أنه مضطرب في مسائل الإيمان !! ، وإيش هذا ما تقولونه تارة يعني (كل العمل) وتارة يعني (غالب العمل) !!، هذا تكلّف واضح وغلوّ فاضح في شخص الشيخ ربيع وكأنه لا يخطئ!! ، وهذه حزبية مغّلفة بلبوس السلفية !…إلخ ترهاتهم)
أقول -مستعينا بالله- :
أنتم تعُدّون تعدد معنى كلمة ( تارك العمل ) عند الشيخ ربيع حفظه الله اضطرابا واضحا !! ، وتعتبرون بيان مُراد الشيخ سلمه الله من التكلّف والحزبية المغلّفة !!
حسنا (!) ، وما رأيكم في كلام هؤلاء الأئمة ؟؟
قال الإمام ابن رجب رحمه الله :
(ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان ، وبـهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة )
فتح الباري ( مكتبة الغرباء الأثرية ، 1/ 121 )
وقال أيضا رحمه الله :
( وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط بجوارحهم ).اهـ
كتاب التخويف من النار طبعة دار الإيمان الباب الثامن والعشرون ص285 .
وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :
( من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله إذا كان موحداً مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقاً مقراً وإن لم يعمل وهذا يرد قول المعتزلة والخوارج بأسرها ) اهـ
التمهيد ( 23/ 290 )
وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
"( تنبيه ) قال القرطبي في تذكرته : قوله في الحديث « من إيمان » أي : من أعمال الإيمان التي هي من أعمال الجوارح ، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من الإيمان ، والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلناه ، ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد ونفي الشركاء والإخلاص بقول لا إله إلا الله : ما في الحديث نفسه من قول " أخرجوا – ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط " يريد بذلك : التوحيد المجرّد من الأعمال" . اهـ ملخصا
كتاب "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – (ج 1 / ص 66)
فما قولكم في كلام هؤلاء العلماء ؟؟
لا شك أنّكم ستقولون -وبلا تردد!- أن هؤلاء العلماء ما قصدوا ترك (كل العمل) بالكلية على التفصيل المُشار إليه آنفا ، وإنما قصدوا (غالب العمل)، وقولهم (وإن لم يعمل ) و (أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط بجوارحهم ) و ( التوحيد المجرّد من الأعمال ) ، كل هذا محمول على ( غالب العمل ) ، ودليل ذلك أن لهؤلاء الأئمة أقوال أخرى واضحة في تكفير تارك العمل بالكلية كما هو مذهب أهل السنة…
قلت : وهذا عين ما نقوله في حق الشيخ ربيع حفظه الله ! ، فلم ترمونه بالاضطراب في مسائل الإيمان دون كل هؤلاء الأئمة ؟؟ مع تصريح الشيخ أنه لا يجوز لمسلم أن يتردد في تكفير صاحب هذه الصورة إن وجد ؟!
الحقيقة أن من يرمي هذا الإمام الربيع حفظه الله بالاضطراب في مسائل الإيمان! هو أحد رجلين ، إما جاهل جهلا مركبا لا يفقه ما يقول ولا يدري أنه جاهل! ، أو حزبي تكفيري مُغرض يزعم أنه سلفي! مكرا بالدعوة السلفية وأهلها، والله بما يعملون محيط ، وإن تصبروا وتتقوا لا يضُرّكم كيدهم شيئا.
والله الموفق
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
————————–
(1) قال الشيخ ربيع حفظه الله : " وفي هذه الأيام كتب أخونا حمد بن عبد العزيز العتيق مقالاً تحت عنوان " تنبيه الغافلين إلى إجماع المسلمين على أن ترك جنس العمل كفر في الدين".
فشرعت في قراءته إلى أن وصلت إلى الصحيفة الخامسة فإذا فيها : "الفصل الثالث: ترك جنس العمل كفر أكبر : المبحث الأول : صورة المسألة هي في رجل نطق بالشهادتين ثم بقي دهراً لم يعمل خيراً مطلقاً لا بلسانه ولا بجوارحه ولم يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع " .
فقلت – الربيع – : إن كان المراد بجنس العمل هذه الصورة فإني لا أتردد ولا يتردد مسلم في تكفير من هذا حاله وأنه منافق زنديق إذ لا يفعل هذا من عنده أدنى حد للإيمان." انتهى كلامه ، وقال أيضا متّع الله بعلمه : " وهنا ملاحظة مهمة ينبغي لفت النظر إليها وهي أن الصورة التي ذكرها الأخ حمد -وفقه الله- لا يجوز لمسلم أن يتردد في تكفير صاحبها إن وجد ، ولكنها في الوقت نفسه هي نظرية غير واقعية ولا عملية إذ لا يتصور وقوعها من مسلم ، والشرائع لم تبن على الصور النادرة كما قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -." انتهى كلامه حفظه الله ، وهو كلام متين موافق لما عليه علماء الإسلام سلفا وخلفا، والله الموفق